فعلت الحكومة خيراً حين قررت مد فترة التصالح فى مخالفات البناء حتى آخر أكتوبر. ليتها تفعل المزيد.
على سبيل المثال أسعار المتر فى قضايا التصالح فى المناطق المختلفة تحتاج أيضاً إلى إعادة نظر، حتى ولو كنا نتحدث عن مناطق يعيش فيها أبناء الطبقة المتوسطة. فلا يصح أن تنظر الحكومة إلى مبلغ ادخره هذا أو ذاك لمواجهة نكسة مرض أو الاستعانة به فى زواج ابن أو ابنة، وتضطر صاحبه إلى دفعه درءاً لمشكلات لا يقوى على تحملها.
فى بعض القرى والعشوائيات لا يكفى أن تقلل الحكومة أسعار التصالح بل عليها أن تقدم المزيد والمزيد. الحكومة تعلم أكثر من غيرها كم يعانى المواطن الفقير فى هذه المناطق، وهو فى غنى عن أى ضغوط أو أعباء إضافية.
المتصالحون الآن صنفان: صنف لا يجد ما يدفعه مقابل التصالح، ومضطر إلى السلف أو الدخول فى جمعيات حتى يتمكن من تلبية طلبات الحكومة.. وصنف آخر مطالب بأن يخرج تحويشة العمر التى ادخرها لمواجهة تقلبات الدهر، والمحن التى قد تباغته فيما تبقى له من عمر ليدفعها للحكومة.
لقد شهدت الفترة الأخيرة قرارات عدة زادت من الأعباء المالية المفروضة على المواطن، يكفى أن نشير إلى آخرها المتعلق بزيادة مصروفات المدارس الحكومية والتى وصلت فى المرحلة الثانوية إلى 500 جنيه (بعد أن كانت 160 جنيهاً). هناك فارق بين الزيادة المحسوبة فى تكلفة أى خدمة والزيادة غير المحسوبة. وزيادة تكلفة خدمة معينة بما يزيد على 3 أضعاف مرة واحدة أمر يجعل المواطن الحليم «حيران».
أى قرار حكومى لا بد أن تحكمه فلسفة وأن يكون وراءه مغزى أو حكمة تساعد المواطن على استيعابه. مسألة الزيادة غير المحسوبة أو المنطقية فى أسعار السلع والخدمات من الأمور التى تجعل المواطن الحليم حيرانَ. كذلك عبارة «تقنين المخالفات» مقابل دفع رسوم التصالح أيضاً من العبارات المحيرة. وتجعل الحكمة والمغزى من وراء القانون هى مجرد الدفع.
الحكومة بحاجة إلى قدر من التريث والدراسة المتأنية لقراراتها قبل أن تصدرها، حتى لا تقع هى الأخرى فى دائرة الحيرة، مثلها مثل المواطن، فتصدر القرار، ثم تواجه بمشكلات تحتار فى حلها.
الحيرة تفرض على الإنسان نوعاً من الهدنة التى يقف فيها مع نفسه، ويفكر فى مجمل أدائه خلال فترة معينة، ويحاول الاستفادة من الإيجابيات التى حققها، ويجتهد فى علاج السلبيات التى يصح أن تكون واجهته. وقد تثمر هذه الهدنة عن منهجية أو فلسفة جديدة فى التعامل تؤدى إلى التقليل من المشكلات أو التخفيف من حدتها.
كل إنسان وله سقف قدرات. ولن تأخذ من أحد أكثر مما يمكنه أن يعطيك.. وليس من الحكمة فى شىء أن تضطر إنساناً مرهقاً إلى خرق السقف ليدفع عن نفسه أذى وجودياً قد يلحق به أو بأبنائه.