«إلا رسول الله». عبارة اعتاد على ترديدها الغيورون على الدين الإسلامى ضد من يحاولون تشويه قيمه السامية ومبادئه السماوية، ووضعه فى خانة الإرهاب وهو براء. غير أن هذه العبارة وإن كانت تعبر عن غيرة المسلمين على دينهم، أصبحت مطاطة وغير مؤثرة، فالغيرة على الدين لا تترجم بشعارات تكتب على خلفية السيارات، أو صورة بروفايل فى مواقع التواصل الاجتماعى، أو يافطة على متجر أو مؤسسة!!. صحيح أن الدين لا يحتاج إلى شعارات لا يعمل بها من يتداولونها حتى أصبحت مجرد عادة تعبيرية ربما لم يتأمل داعموها عمقها وقيمتها الفعلية. رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يحتاج إلى شعارات وتهليل وتقريع وثورات غضب تنتشر هنا وهناك، ثم لا تلبث أن تخبو وتعود الحياة إلى سابق عهدها، نبينا محمد أكبر وأرفع من أن ندافع عنه بالشعارات، يحتاج أن ندافع عن السنة الصحيحة والقيم التى تركها لنا والمتسقة مع صحيح الدين، هل سألت نفسك بعد أن وضعت هذا الشعار على صفحتك فى مواقع التواصل الاجتماعى، أو فى أى مكان يحلو لك أن المشكلة قد انتهت؟! وأثبت للمغرضين والمتربصين بالدين الإسلامى أنك قمت بواجبك تجاه دينك! هل توقفت قليلاً مع نفسك متأملاً بعمق لماذا نهاجَم فى ديننا تحت مسمى الحريات والمناخ الديمقراطى الذى يعيش فيه الغرب؟ هل واجهت نفسك أنت الغيور على دينك لماذا نهان فى ديننا وعقيدتنا من حين لآخر؟ رغم كل ما يقوم به الدعاة والمعتدلون والتنويريون لتسليط الضوء على مبادئ ومفاهيم الدين الصحيح؟
مع التسليم بأن التربص بالإسلام بات واضحاً من الغرب وتشويه المسلمين أصبح هدفاً وغاية، إلا أن الممارسات التى تصدر من فئات عريضة من المسلمين هى التى تعطى المبرر والذريعة لتشويه الدين الإسلامى وانتقاده والهجوم الشرس عليه، أما مقاطعة منتجات وبضائع الدول التى تهاجم ديننا الحنيف ورسولنا الكريم، فهى وسيلة العجز وليست وسيلة القوة، فلا المقاطعة تؤتى ثمارها ولا تؤثر فى المفاهيم التى ترسخت فى أذهان المغرضين والمناوئين للمسلمين قيد أنملة، هناك أسلحة ربما تكون أكثر قيمة ورفعة لشأن المسلمين فى الدفاع عن دينهم والتعبير عن غيرتهم على نبينا العظيم، التسامح الدينى الذى لا إكراه فيه.. «المعاملة» ثم «المعاملة» ثم «المعاملة»، هى فقط من تعطى القيمة والدرس لكل من تسول له نفسه تشويه هذا الدين السمح ويحرفه عن مساره الصحيح، ومكانته الحقيقية، البعيدة كل البعد عما يثار حوله وما يُدعى عليه من أكاذيب وتضليل.
لم يكن الإرهاب باسم الدين يوماً هو سلاح الدفاع عن الحق، بل يزيد من تعميق الفجوة ونشر ثقافة الكراهية والعنصرية بين الأديان، الممارسات اللامسئولة ممن يحملون راية الدفاع عن الدين، بفتاواهم الغريبة، وخطاباتهم المتشددة، وتحريضهم على رفض الآخر، لا تقل خطورة عن الفعل المستفز والمثير للاشمئزاز حين يكون الحديث عن الإسلام ووصفه بالدموى، لأنها أصبحت الصورة الذهنية الوحيدة لدى الغرب عن الإسلام، بفعل ممارسات المتطرفين الدموية البريئة من الغيرة على الدين، لأن ما يحركها هو الإسلام السياسى وغاياته المضللة للبسطاء، والحجج جاهزة: «الدفاع عن الدين الإسلامى». ألم نكتوِ نحن الذين يؤمنون بالدين الإسلامى وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بنفس الأساليب والوسائل التى مورست ضد العقائد الدينية الأخرى؟ فهل حرضنا رسولنا الكريم على كراهية أهل الكتاب؟ هل طالبنا بقتلهم ونبذهم؟! هل اعتبرنا الأديان الأخرى كفراً وزندقة؟! أم أنها رسالات نزلت من السماء كما نزل الدين الإسلامى أيضاً بذات الوسيلة، هل القتل والذبح والتحريض على كراهية الآخر تخدم الإسلام؟! أم أنها تسهم بشكل مباشر فى الإساءة إلى الإسلام والرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لا يمكن تبرير ما حدث للمدرس الفرنسى رغم تجاوزه الخطوط الحمراء، غير أن علينا أن نفهم منطق الثقافات الغربية التى تمارس نقد ديانتهم أيضاً، وهم أنفسهم يقومون بتشويه رموزهم الدينية بما فيها يسوع المسيح عليه السلام، ويتعرضون له بأشد النقد والتجريح تحت مسمى الفكر الحر، وهذا مثبت وموثق. لا أحد يوافق على الطعن فى عقيدته، ولا يمكن التغاضى عن تشويه الدين الإسلامى، لكن وسيلة التعبير عن الغضب والرفض غير مقنعة، على الأقل فى التعاطى مع الثقافات الغربية التى زادت فيها نبرة التطرف والعنصرية تجاه الإسلام، أكثر من أى وقت مضى.