منذ أن التحقت وزملائى بالمدرسة فى منتصف الستينات من القرن الماضى، لم تحدث أى تغييرات جوهرية على التقسيم الإدارى للجمهورية إلى عدد من المحافظات والمراكز أو الأقسام والوحدات القروية أو المحلية، بالرغم من مضى أكثر من خمسين عاماً تضاعف خلالها سكان مصر عدة مرات، وحدثت تطورات هائلة فى جميع القرى والمدن المصرية. فقد ظلت مصر مستقرة لفترة طويلة على تقسيم الجمهورية إلى خمس وعشرين محافظة، موزعة على القاهرة والإسكندرية، وثمانى محافظات فى الدلتا أو الوجه البحرى (دمياط والدقهلية والشرقية والقليوبية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية والبحيرة)، ومثلها فى الصعيد أو الوجه القبلى (الجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان)، وثلاث محافظات فى منطقة قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس)، وأربع محافظات حدودية (سيناء والبحر الأحمر ومطروح والوادى الجديد). وفى عام 1979، تم تقسيم محافظة سيناء إلى محافظتين هما شمال وجنوب سيناء، ليصبح عدد المحافظات المصرية ستاً وعشرين محافظة. وفى العام 2008، تم إنشاء محافظتى حلوان والسادس من أكتوبر، من خلال اقتطاع أجزاء من محافظتى القاهرة والجيزة. وفى عام 2009، تم إنشاء محافظة الأقصر، التى ضمت مدينة الأقصر، ومركزى إسنا وأرمنت اللذين كانا جزءاً من محافظة قنا. ومن ثم، زاد عدد المحافظات المصرية إلى تسع وعشرين محافظة، ومع إلغاء محافظتى حلوان وأكتوبر عام 2011، تقلص العدد إلى سبع وعشرين محافظة. ولا شك أن التطورات الهائلة التى شهدتها المحافظات والمدن والقرى المصرية طوال نصف القرن المنصرم تحتم إعادة النظر فى ذلك التقسيم، سعياً إلى تعزيز قدرة الأجهزة الحكومية على تقديم الخدمات للمواطنين بأفضل صورة ممكنة. لم تعد الأجهزة والإدارات الحكومية قادرة على أداء مهامها بالصورة المثلى التى ترضى المواطنين، بسبب التوسع العمرانى السريع والهائل، وبسبب الزيادة المطردة فى عدد السكان فى جميع القرى والمدن. لقد اتسعت الأحوزة العمرانية فى جميع القرى الصغيرة والكبيرة وفى جميع المدن، فى الدلتا والوادى وفى المدن الجديدة، وتضاعفت أعداد السكان الراغبين فى الحصول على الخدمات ذات الجودة فى الصحة والتعليم والتضامن والإسكان والمرافق، ولم يعد ممكناً إدارة تلك المساحات الشاسعة وتقديم الخدمات لأعداد مضاعفة من المواطنين من خلال نفس التقسيم الإدارى القائم منذ أكثر من نصف القرن. لم يعد ممكناً تقديم خدمات جيدة لسكان محافظة يتجاوز عددهم خمسة ملايين مواطن، ولا لسكان مركز إدارى يربو عددهم على نصف المليون. ولم يعد ممكناً تقديم خدمات جيدة لسكان محافظات تمتد لأكثر من مائة كيلومتر، أو تفوق مساحتها مساحة عدد من دول العالم. فإلى جانب محافظتى القاهرة والجيزة، اللتين تضم كل منهما قرابة عشرة ملايين نسمة، توجد ثمانى محافظات تجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة (الشرقية والدقهلية والبحيرة والقليوبية والغربية والإسكندرية والمنيا وسوهاج). ويقع على كاهل محافظى تلك المحافظات ومديرى مديريات الخدمات بها (مثل مديرى الأمن والتعليم والصحة والتضامن والإسكان والمرافق وغيرهم) تقديم الخدمات لتلك الأعداد المتزايدة من المواطنين. وتجاوز عدد سكان كثير من المراكز الإدارية فى محافظات الدلتا والصعيد ربع المليون ونصف المليون، بل اقترب بعضها من المليون مواطن. وأصبح رئيس المركز والمدينة ومعاونوه من مديرى الإدارات الفرعية (مثل مأمور المركز والقسم ومديرى إدارات التعليم والصحة والتضامن وغيرها)، مطالبين بتقديم خدمات الأمن والتعليم والصحة والتضامن، التى كانت تقدم لربع هذا العدد من المواطنين أو أقل منذ ثلاثين عاماً.. وتجاوزت أعداد كثير من القرى التى تمثل مراكز الوحدات المحلية حاجز الخمسين ألف مواطن فى القرية، فى حين اقترب إجمالى سكان قرى كثير من الوحدات المحلية من مائة ألف مواطن. وأصبح رئيس الوحدة المحلية ومعاونوه، قليلو العدد والإمكانيات، مطالبين بتوفير الخدمات لسكان القرية الرئيسية والقرى الأخرى التى اتسعت أيضاً ليتجاوز عدد الكثير منها حاجز العشرة آلاف مواطن. ومن ثم، نقترح إعادة النظر فى التقسيم الإدارى القائم فى جمهورية مصر العربية، من خلال عدة مقترحات تتعلق بإعادة النظر فى التقسيم القائم الخاص بإقليم العاصمة (القاهرة الكبرى) وباقى محافظات الجمهورية والمراكز والأقسام الإدارية والوحدات المحلية.