أفرجت السلطات فى إندونيسيا عن «أبوبكر باعشير» يوم الجمعة 8 يناير 2021م، بعد أن قضى فى السجن 11 عاماً، متهماً بقضية التدريبات العسكرية مع تنظيم القاعدة، ورجع إلى منزله فى «جاوى الوسطى» بحراسة مشددة من قوات الشرطة، و«باعشير» نموذج صارخ يمثل تنظيماً يُهدد المجتمع ويسىء إلى الإسلام، وقد وُلد عام 1938م، وأسس معهداً دينياً، وصار هذا المعهد بؤرة لنشر الفكر التكفيرى، وكان يمنع تحية علم إندونيسيا، معتبراً أن هذا نوع من أنواع الشرك، ثم سافر إلى ماليزيا، وهناك سنحت له الفرصة لدراسة أفكار سيد قطب والإخوان، فتأثر بفكر الإخوان للتمكين لتنظيم «دار الإسلام» الإرهابى.
ووسط كل هذه الأحداث عملت السلطات فى إندونيسيا على تتبع ورصد تسلل الفكر المتطرف لبعض أبنائها، ووضعت يدها على أفكار تنظيم الإخوان وكتابات سيد قطب، وساعد على ذلك وجود جمعيات قوية تبذل جهوداً مضنية فى مقاومة أفكار العنف، مثل: جمعية نهضة العلماء وجمعية المحمدية، فضلاً عن ظهور باحثين لهم اعتناء بالأمر، مثل الباحث الأزهرى الأستاذ «مصعب مقدس»، الذى كتب فى تفنيد فكر حسن البنا.
وقد التفتوا فى إندونيسيا إلى هذا الربط بين أفكار سيد قطب وأفكار «باعشير»، وبين أفكار جماعة الإخوان والتنظيمات المسلحة، لأن أفكار جماعة الإخوان تمثل المحضن لأفكار التنظيمات المسلحة كداعش والقاعدة، وكذا كتب سيد قطب، ثم كتب «فتحى يكن» و«رفاعى سرور» (وكلاهما من منظّرى الإخوان)، بل إن تنظيمات مثل: الجهاد، والتكفير والهجرة، ثم القاعدة وداعش استمدت أفكارها من سيد قطب.
حتى إن محمد العدنانى، وهو الرجل الثانى فى تنظيم داعش، والذى كان مرشّحاً لخلافة «أبوبكر البغدادى»، هذا الرجل اعترف بتأثره بفكر سيد قطب، وعكف على قراءة كتاب «الظلال» عشرين سنة.
كما أن «أبومصعب السورى»، القيادى الجهادى، انضم إلى الإخوان، وألّف كتاب: «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، وهو من الكتب التى يعتمد عليها التكفيريون فى مصر وسوريا وإندونيسيا وليبيا وماليزيا وغيرها لممارسة العنف والقتل، وتأثر أبومصعب بأستاذه «مروان حديد»، ومروان حديد من الإخوان، ووُلد بسوريا عام 1934م، وقال عن نفسه: «اطلعتُ على رسائل حسن البنا فتحولتُ من العماية إلى الهدى، ومن الضلال إلى الرشاد، ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق»، ثم انخرط فى صفوف الإخوان.
إنهم فى إندونيسيا يحاولون ربط كل هذه الخيوط، وفى الوقت نفسه استشعروا أن «باعشير» فقد القدرة على التأثير، وهو ما أكده الجهادى السابق «على فوزى» المتورط فى أعمال إرهابية سابقة، لكنه تاب، وساعد الدولة فى إعادة وتأهيل الشباب المتأثر بالأفكار التكفيرية. وقال «على فوزى» إن «باعشير» ليست لديه الآن قضية، لكن باحثين حذَّروا من أن «عمران بيهاقى» المُكنى بأبى طالوت -وهو من الجيل الأول للجماعة الإسلامية فى إندونيسيا- سوف يرث الدور الذى كان يقوم به «باعشير».
الحاصل هنا أن عملية الإفراج والتأهيل لقيادات التكفير ليست سهلة، وفيها إشكاليات شديدة التعقيد، وحين ذهبت إلى إندونيسيا منذ عدة سنوات مع بعض الباحثين والمفكرين لمناقشة هذا الفكر، لاحظنا أن المتأثرين بأبوبكر باعشير يكفِّرون الدولة صراحة بعدما وفرت لهم كل السبل، فالتركيز يجب أن يكون على المنابع والجذور التى تخرج منها هذه التيارات عن طريق نشر الوعى، ومقاومة الفكر المنحرف ومواجهته بالأدلة والبراهين القوية، وإعادة وتأهيل من يريد نبذ العنف، والاستفادة منهم.