ليس ذماً فى الحكومة ولا مدحاً فى الرئيس.. فليس لدينا وقت ننفقه فى هذا أو ذاك، فالحكومة تحركت على استحياء لكى تطفئ ناراً مشتعلة منذ عقود طويلة بنفس الآليات التى كان يستخدمها السابقون وحققوا من خلالها أعلى درجات الفشل، كان التردد والارتباك هو عنوان المشهد الاقتصادى، وكان التأجيل والترحيل واستخدام المسكنات المهلكة والمنهكة هو الفلسفة السائدة، الحكومة الحالية لا ننكر أنها مختلفة إلى حد كبير عن الحكومات السابقة حيث قدم رئيس الوزراء نفسه للمواطن المصرى على أنه رجل ميدانى وليس من رواد المكاتب المكيفة، كانت حركته السريعة وتحركاته المتلاحقة سبباً وجيهاً لتفاؤل الكثيرين من المراقبين والمتابعين وجزء كبير من المواطنين، وبعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وقفت الحكومة أمام الموازنة العامة للدولة تضرب أخماساً فى أسداس فعجز الموازنة يزداد بجنون والدين العام تخطى الخطوط الحمراء ودخل إلى المنطقة شبه السوداء، هذا فى نفس الوقت الذى تواجه فيه الدولة المصرية أعنف التحديات على مر التاريخ، فالدولة تخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب الذى استشرى وتجذر داخل المجتمع المصرى على مدار سنوات مضت فى نفس الوقت الذى تواجه الدولة فيه بعض القوى الدولية والإقليمية التى كانت وما زالت تتربص بالدولة المصرية والجيش المصرى، وسط هذه الحزمة من التحديات كانت الحكومة تنظر إلى الرأى العام بحذر شديد فالشعب الذى صنع ثورتين ينتظر تحقيق طموحاته التى وصلت عنان السماء، بيد أن ثماراً ينتظرها المواطن من شجرة لم يتم زراعتها بعد هو أخطر ما فى الموضوع، الحكومة ترددت فى اقتحام الحريق المشتعل فى ربوع الاقتصاد المصرى وأبدت ملاحظاتها وتخوفاتها أمام الرئيس وكان رأى الحكومة أن الظرف السياسى لا يسمح باقتحام المنطقة المحرمة المسماة بـ«منظومة الدعم» خاصة أننا مقدمون على انتخابات برلمانية صعبة للغاية، الرئيس استمع وتحقق وتفهم ورفض ثم خرج للجماهير شارحاً وموضحاً ومحذراً وطالباً العون من الله ومن الناس، الرئيس اقتحم الحريق المشتعل وفوراً ودون تأجيل لأنه أيقن أنه إذا استمع إلى رأى الحكومة بالتروى والتأجيل وترحيل المشكلات إلى ما لا نهاية سيكون كمن سبقه ولا شىء جديد، قالوا له هذه القرارات سوف تصيب شعبيتك بالتآكل.. قال: شعبيتى تتآكل ومصر لا تتآكل، إذن الرئيس يتحرك أسرع من الحكومة ويفكر بشكل استراتيجى ولا يتعامل مع المسألة المصرية بمنطق القطعة أو بمنطق تاجر التجزئة، الرئيس يتعامل بجرأة شديدة لكنها جرأة محسوبة بحسابات التاريخ والجغرافيا لهذا الشعب ولهذه الأمة، هذا الشعب يحتاج من يشرح ويصارح وعندها ستتفجر طاقات هذا الشعب ملبياً ومتحدياً وسيضرب المثل والقدوة فى الصبر وسيكون صبره صبراً جميلاً وصبراً استراتيجياً، بيد أن القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة بعد فترة تردد هى الدواء بعينه ولا دواء سواه، هى خطوة على طريق طويل كتب علينا أن نسير فيه لنواجه أشواكاً وآلاماً ومطبات عديدة، فعلى الحكومة أن تتعلم الجرأة من الرئيس وتقتحم الحرائق دونما خجل.