قرأت ما تداولته الصحف عن تقرير مصلحة الطب الشرعى منذ أيام حول واقعة اصطدام قطارى سوهاج نهاية شهر مارس الماضى، التى راح ضحيتها 19 مواطناً وأصيب فيها 185 شخصاً. جاء تقرير الطب الشرعى ليؤكد عدم تناسب الإصابات الحادثة بسائق القطار الإسبانى ومساعده وما اعترفا به فى التحقيقات أمام النيابة، حيث ادّعى كل منهما أنهما بقيا فى كابينة القطار الأمامية للجرار وقت وقوع التصادم، بينما ذكر تقرير الطب الشرعى أنه يُعتقد أنهما غادرا الكابينة قبل وقوع الحادث.
وهو نفس ما توصلت إليه النيابة العامة التى شكلت لجنة ثلاثية من أطباء مصلحة الطب الشرعى، للتأكد من صحة النتيجة، فانتهى تقرير اللجنة إلى صحة التقرير الأول للطب الشرعى بعد معاينة موقع الحادث بحضور السائق ومساعده وتحت إشراف النيابة العامة. وذكر تقرير اللجنة الثلاثية وجود تصورين لما حدث، أولهما وجود السائق ومساعده بالممر الفاصل بين الكابينتين الأمامية والرئيسية وقت التصادم، وثانيهما وجودهما فى الكابينة الرئيسية اللاحقة على الأمامية فى وقت التصادم، إلا أنها نفت نفياً قاطعاً إمكانية وجودهما وقت الحادث فى الكابينة الأمامية، كما سجّلت اعترافاتهما.
ليس هذا وحسب، بل إن تحقيقات النيابة أثبتت تعاطى مراقب برج محطة المراغة ومساعد سائق القطار للحشيش والترامادول! وهى ليست المرة الأولى التى يثبت فيها ذلك فى ما يتعلق بالعاملين فى هيئة السكك الحديدية، حيث سبق نشر فيديو لسائق قطار ومساعديه وهم يشربون الحشيش أثناء قيادة القطار عام 2016، ولم يعلن أحد نتائج التحقيق معهما!
كتبتها منذ اللحظة الأولى للحادث: الإعدام عقوبة مستحقة، سواء كان الحادث إهمالاً أو إرهاباً، فالنتيجة واحدة. ولكن القانون لا يمنح القاضى تلك المساحة للحكم، حيث ينص على ألا تقل عقوبة السائقين المتعاطين لمخدر الحشيش والترامادول عن الحبس مدة 10 سنوات. ولكن ماذا عن الضحايا والمصابين فى الحادث؟ ماذا عن الأسر التى فقدت ذويها أو فُجعت فى مصابهم الذى قد يمنحهم العجز فى الحياة؟
أساتذة القانون يقولون إنه لو ثبت تعمّد السائق ومساعده ترك كابينة القيادة، فإنه يمكن الحكم عليهما بالإعدام، أما الإهمال فعقوبته عشر سنوات فقط مع الفصل من الخدمة!
نحتاج إلى الردع بالقانون وتغليظ العقوبة حتى مع المهمل ليكون عبرة لغيره. فحينما ترك السائق ومساعده الكابينة كانا يعلمان بخطورة ذلك على الركاب والقطار، وحينما تعاطى أحدهما الحشيش كان مدركاً تجريم ذلك بالقانون أيضاً، لذا فقد خالفا القانون المحدّد لوظيفتهما عن إدراك للمخالفة، أى عمداً بلغة القانون، وتلك قضية أخرى غير حقوق الضحايا من القتلى والمصابين.
نحتاج إلى توعية مستمرة وتركيز على تلك القضايا لتكون دروساً للجميع فى كيفية احترام قواعد العمل ومعانى المسئولية. نحتاج إلى رقابة متواصلة وربط القطارات وكبائن القيادة بها بشبكة كاميرات تسجل رحلة القطار طوال الوقت وتسمح لأى مسئول بالتدخل قبل وقوع الكارثة أو الإبلاغ عما يراه مخالفاً فى الرحلة.
وقبل كل ذلك نحتاج إلى تربية وتعليم يؤكدان أن محبة الله مقرونة بفعل شرط يتطلب الإجادة فى العمل والإتقان لتفاصيله والالتزام بقواعده والضمير فى مراقبة الذات.