لسبب لا يعرفه أحد أصبح الإعلان السنوى من وزارة الصحة عن احتياجاتها للتكليف والتسجيل فى الزمالة المصرية مشكلة متكررة.. تارة بسبب عدم وضوح الرؤية للأطباء، كما حدث فى العام الماضى حين قررت الوزارة ضم سنوات التكليف لسنوات التدريب للزمالة دون خطة واضحة.. وتارة هذا العام بسبب قرار الوزارة بطرح ما يقرب من ٥٠٪ من الاحتياجات فى ثلاثة تخصصات فقط لا غير وهى تخصصات التخدير وطب الأسرة والطوارئ..!
عجز حاد تعانى منه الوزارة فى تلك التخصصات.. عجز ليس وليد هذا العام ولكنه منذ فترة ليست بالقصيرة.. أذكر شكوى لمديرية الصحة بإحدى المحافظات الساحلية منذ عدة أعوام أنه ليس بها على رأس العمل سوى طبيب تخدير واحد!!..
ولكن ذلك العجز برز بشكل واضح للغاية فى عام كوفيد اللعين.. الأمر الذى انعكس بدوره على احتياجات الوزارة لهذا العام.. وجعلها تحاول البحث عن حل سريع..!
المشكلة أن الوزارة تحاول علاج العجز المزمن فى عام واحد ومن دفعة خريجين واحدة، وهو ما يعتبره البعض ليس عدلاً.. فكل طبيب حديث التخرج يحلم منذ سنوات دراسته الأولى بالكلية أن يتخصص فى فرع معين من فروع الطب.. تلك الأحلام هى ما تشكل شخصيته واهتماماته.. بل ويبنى عليها قصوراً فى خياله لما سيؤول إليه مستقبله حين يعبر تلك السنوات العجاف أثناء الدراسة.. ليصطدم بواقع يجبره أن يتخصص فى فرع ما -لم يتخيله من قبل- لمجرد أن الوزارة تعانى من عجز فيه..!
فى رأيى أن الأزمة المتكررة لا تتعلق بإعلان التكليف السنوى واحتياجات الوزارة بقدر ما تتعلق بغياب التواصل بين المسئولين وبين هؤلاء الأطباء حديثى التخرج عظيمى الأحلام.. فلسبب ما يصر البعض على «فرض الأمر الواقع» دون تفسير أو تبرير.. ليبدو الأمر وكأنه لا سبيل إلا لتنفيذ إرادة الوزارة.. ودون أدنى اعتبار لأحلام هؤلاء الشباب الذين لم يخرجوا للنور بعد..!
بل إن الصورة يمكن أن تبدو أكثر وضوحاً فى اشتباك الوزارة مع نقابة الأطباء مؤخراً حول عدد الأطباء المتوفين بسبب كوفيد هل هو ١١٥ أم ٥٠٠!! وكأن تخفيض عدد شهداء القطاع الطبى سوف يتم اعتباره من إنجازات الوزارة!!
إن تحول وزارة الصحة من داعم ونصير للأطباء، خاصة الشباب منهم، إلى خصم يحاول فرض إرادته عليهم دون مبرر، هو أسوأ ما يمكن أن تقوم به الوزارة فى هذه الأيام تحديداً.. خاصة فى ظل أزمة طاحنة تمر بالعالم.. وعوامل جذب غير منتهية يتم تقديمها لهؤلاء الشباب فى معظم دول العالم الأول!!
أعتقد أن الاكتفاء بنسبة ٣٠٪ لتلك التخصصات فى كل عام لمدة عامين أو ثلاثة -كما كان الحال فى العام الماضى- ربما كان جيداً.. مع وضع حوافز مالية لمن يتخصص فى تلك التخصصات كحافز المناطق النائية الذى يحصل عليه الأطباء فى التكليف الإجبارى فى المحافظات الحدودية.. أو حتى الإعلان عن آلية لأولوية التسجيل للدراسات العليا لهذه التخصصات..!
أعتقد أن اقتراحاً بهذا الشكل يمكن أن يكون مقبولاً لهؤلاء الشباب.. فهو يغطى نسبة لا بأس بها من العجز الموجود. . ويقدم لشباب الأطباء الفرصة للتخصص الذى يريدونه فى نفس الوقت..!
إن ثروتنا الحقيقية على أرض هذا الوطن هى شبابه المفعم بالأحلام.. هكذا تؤمن القيادة السياسية.. والأحلام دوماً قابلة للكسر.. الأمر الذى لن يفيد أحداً على الإطلاق.. أو هكذا أعتقد!