للأسئلة الغريبة على مواقع التواصل وعلى صفحات دار الإفتاء دلالة، كما أن للإجابات على تلك الأسئلة الغريبة دلالات هى الأخرى.
الأسئلة فى أمور الدين عيّنة. والعيّنة بيّنة عن معنى الدين ومفاهيمه فى سرائر المؤمنين.. وفى دواخل المتدينين.
الأصل فى الإفتاء البيان، والبيان هو التوضيح. والبيان فى الاصطلاح أعم من مجرد إجابة على السؤال.. وأشمل.
الأصل فى الإفتاء هو لفت نظر السائل لمقاصد الدين الأساسية، ومستهدفات الشريعة العامة. الإفتاء ليس مجرد إجابة عن تساؤلات، ولا هو بيان حالة مجرد، لا علاقة له بالمضمون وما وراء الفكرة.
شرَع الله الدين لصلاح المجتمعات. وفى التعريف أن الدين معاملات تصح بها الدنيا.. وعبادات تصح بها الآخرة. لو غابت المفاهيم الكبرى عن معنى الدين أو اختلت النظرة إلى مقاصد الشريعة الأساسية.. ضاع الدين، وضاعت الدنيا.
تعارُض الوضوء مع أكل لحم الجمل من عدمه مطلب فتوى غريب. ورد الفتوى على السائل بلا تحذير من النظر فى الصغائر هو الآخر غريب.
على مواقع طلبات الإفتاء الإلكترونى أسئلة تشير بوضوح لغياب المفهوم العام عن معانى الإسلام الحقيقية ومقاصده الأصلية عند كثيرين.
على مواقع الإفتاء أسئلة عن أحكام دخول الحمام بالقدم اليمنى، وعن مدى جواز المرور بين القبور بالأحذية، وعن ما هو حكم طهى الحائض والنفساء لإفطار الصائمين!
كلها تعلق بطقوس.. والتعلق بطقوس الأديان يغيّر الأديان، ويلوّنها، ويأخذها على طريق «اللى يروح ما يرجعش».
تطقيس الأديان يخلع المفهوم الدينى من مقاصده العامة، و«يزنقه» فى عبادات تصبح بالزمن كأنها هى المراد من رب العباد، فتصبح الأزمة فى مَن حصر الدين فى عبادات، ومَن اختزل العقائد فى إجراءات.
فى الفقه الإسلامى المعاملات مقدمة على العبادات، لذلك فالأصل أن حقوق الله (السهو فى العبادات) محل عفوه سبحانه، بينما لا يغفر الله فى حقوق العباد. . التى محلها القصاص.
يعفو الله عن حقوقه، بينما لا يتهاون الدين فى حقوق الغير. والغير هنا هو مجتمعات نزل الإسلام لتنظيمها وضبط مسالك أفرادها وآليات تفكيرهم.
لكننا وصلنا لدرجة اختلت فيها مفاهيم الدين ومقاصده الأصلية لدى بعضهم. ضاقت النظرة للغرض من التشريع فاقتصرت على طقوس، وتحلل المفهوم الأصلى للإسلام فلم يبقَ منه غير تراث!
موضوعات وأسئلة طالبى الفتاوى الشرعية مثال واضح على اتجاهات التفكير لدى كثيرين، خصوصاً البسطاء. لذلك مطلوب من أهل العلم تحليل مضمون مطالب الفتوى، وتحليل ما ورائياتها.
مطلوب «قياس» السؤال، ومن ورائه قياس «الفكر الدينى» قبل الإجابة الشرعية. مطلوب رفع السائل من حدود المسألة الصغرى، إلى مقصود الشارع الأعلى، وانتشاله من طقوس الدين إلى معاملاته.
لكن على مواقع الإفتاء كثيراً من الإجابات الداعمة لمزيد من فكر طقسى يتوغل بامتياز، بلا تنبيه ولا تحذير، وبلا مجرد لفت نظر إلى أن الإسلام ليس قاصراً على «كيفية دخول الخلاء».. ولا هو مجرد الاطمئنان إلى أن لحم الإبل لا يُفسد الوضوء!
الطقوس يا عزيزى.. تُميت قلب الدين!