كان لهروبهم حكاية صدمت أجهزة الأمن المحصنة بالتكنولوجيا فى إسرائيل، وأربكت نظامهم السياسى والاستخباراتى، فروا من نفق ضيق حفروه بملعقة ومقبض غلاية، من أكثر السجون أماناً فى البلاد (سجن جلبوع)، ورغم القبض عليهم بعد أسبوعين غير عاديين بالنسبة لقوات الاحتلال وعودة الهاربين إلى السجن، فإن سجناء المقاومة أصبحوا أبطالاً شعبيين، والملاعق التى استخدموها للهرب أصبحت رمزاً للفخر الفلسطينى، بالنسبة لإسرائيل شكَّل هروب المعتقلين الفلسطينيين من السجن المحصن بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة فضيحة مدوية، أما لشعبها فكانت الفضيحة لائحة اتهام شديدة لمسئولى السجن، وجوبهوا بموجة انتقاد لاذعة وسخرية على الشبكة العنكبوتية، فقد كشف هروب أبطال المقاومة الستة عن إرادة وعزيمة لا تلين لنيل حريتهم من السجان مهما كان الثمن، وبالنسبة للفلسطينيين كان الهروب فرصة نادرة لتشجيع أبطال المقاومة، والاستهزاء بإسرائيل فى وقت واحد.
إسرائيل نجحت بعد أسبوعين من البحث المكثف فى القبض على آخر اثنين من الأسرى الفلسطينيين، لكنها فشلت فى إعادة هيبتها، فقد كُسر حاجز الخوف، وانتهت خرافة الأمن الإسرائيلى الذى لا يُخترق، هروبهم وجَّه صفعة لإسرائيل كان لا بد لها أن تمحو أثرها، لكن القبض عليهم وإعادتهم إلى المعتقل لم يكن انتصاراً أيضاً.
حين تم اعتقال آخر اثنين فى جنين، قبل يومين، وهما «أيهم كممجى»، و«مناضل أنفيعات»، من حركة الجهاد الإسلامى، قال ضابط الاحتلال الذى اعتقل «كممجى» أثناء اعتقاله: «أنت بطل ابن بطل، وشجاع ابن شجاع، واللى عملتوه فينا مش قليل».. ليرد عليه «كممجى»: «هذه شهادة من عدو ولا أفتخر بها». هى شهادة محتل يقر فيها بالعجز أمام إصرار الأسير على نيل حريته من السجان بكل الطرق والوسائل، دون الالتفات إلى العواقب، ولا التعذيب النازى الذى سيتعرض له لحظة القبض عليه، وهو ما حدث، فقد تعرض الأسرى الستة إلى سلسلة من أساليب التعذيب الممنهجة التى تمارسها إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين للحصول على اعترافات، غير أن تلك الأساليب، رغم وحشيتها، لم تفلح فى الحصول على المعلومات التى يبتغيها رجل الأمن الإسرائيلى بكل بطشه وجبروته.
لقد نقل محامى هيئة الأسرى عن الأسير «كممجى»، أحد الفارين، قوله: «فى واحدة من جولات التحقيق قال (كممجى) للمحقق ضابط الاحتلال: أنا إنسان محترم من دار أبوى ما تزاود (لا تزايد) علىَّ، ووفر لى المطلوب لحياة كريمة فى المعتقل قبل بدء التحقيق». وفى سياق آخر، نقل المحامى عن «كممجى» قوله: «أنا خرجت من المخيم بسبب سماعى أثناء تجوالى فى أزقته أن الاحتلال يخطط لاجتياحه، لذلك قررت الحفاظ على حياة أهل المخيم فخرجت إلى وجهة أخرى لم أكن قد حددتها».
فيما أكد محامى الأسير محمد العارضة أنه يمر برحلة تعذيب قاسية، وتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح ورطم رأسه بالأرض ولم يتلق العلاج، ويعانى من جروح فى كل أنحاء جسمه أثناء مطاردة الاحتلال له ولزكريا الزبيدى، ولم ينم منذ إعادة اعتقاله سوى 10 ساعات، أحد المحققين قال لمحمد العارضة: «أنت لا تستحق الحياة، وتستحق أن أطلق النار على رأسك»، محمد العارضة وزكريا الزبيدى خلال أيام حريتهما لم يشربا نقطة ماء واحدة، ما تسبب بإنهاكهما وعدم قدرتهما على مواصلة السير، وعندما اقترب بحث قوات الاحتلال من الانتهاء فى مكان احتماء محمد العارضة وزكريا الزبيدى، تم العثور عليهما بالصدفة. إعادة اعتقال المقاومين الفلسطينيين لم تكن بطولة من إسرائيل، وإنما جاءت حفاظاً على حياة الأبرياء.