«لا اجتهاد مع النص»، هذه العبارة فى حقيقتها سيف مسموم مسلط على رقبة «مدنية الدولة»، وهى الدولة التى انتصرت للإنسانية ووقّعت اتفاقية جينيف، سبتمبر 1926، للقضاء على الرق والعبودية «ملك اليمين»، الاتفاقية التى عطلت «نصاً قرآنياً»، ولدينا نماذج أخرى كثيرة فى التاريخ الإسلامى: «إلغاء حد السرقة فى عام المجاعة، وتعطيل سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، هذا ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب.. وكذلك استبدال الحدود الثابتة بنصوص قطعية كقطع الأيدى بعقوبات مدنية حالياً».. لكن يظل الاجتهاد فى أحكام المواريث زندقة وكفراً، طبقاً لرأى الأزهر!
هذا ليس اعتداءً على «النص المقدس» ولا افتئاتاً على سلطة الكهنة ممن اعتبروا أنفسهم «فرسان المعبد» المبعوثين لمصادرة العقل البشرى.. هذا «اجتهاد» يصح أن تقبله أو ترفضه، قياساً على القاعدة الشرعية «حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله».. أما أن تنسخ آية قرآنية بحديث شريف، وتتلاعب بالناسخ والمنسوخ ليكون المنتج النهائى ديناً على مقاس مصلحة «صاحب الفضيلة والحصانة»، وهيئة المنتفعين والمؤلفة جيوبهم وكهنة المعبد.. فهذا لم يعد مقبولاً.
فى مقالى السابق أشرت إلى الخلط المتعمّد بين الملكية الخاصة والميراث، بين الهبة والوصية، وهى المصطلحات التى خلطها «مبروك عطية» فى الخلاط، ثم أصدر لنا «كوكتيل فتوى».. دع إذاً كل ما سمعت من حل وتحريم، واطرح السؤال الصحيح إن كنت تفتش عن إصلاح للخطاب الدينى. هل الخطاب التنويرى يلزمك بالاجتهاد مع النص؟.. يقول المفكر الإصلاحى الباحث «إسلام بحيرى»: لا بد من الأخذ فى الاعتبار أن خطاب النص موجّه للمجتمع المؤسّس وظروفه، لأن وضع المجتمع يجبرك أن تفكر فى حلول، عندما تجد شيئاً يفرض ذلك يكون هناك شىء اسمه «علم المقاصد»، أى مخالفة النص للمصلحة.
ويتساءل «بحيرى»: هل الآيات التى نزلت بمعناها الصريح تثبت أن للذكر مثل حظ الأنثيين هل هى محكمات، بمعنى ثبوت معناها وأنه مغلق على اجتهاده الأول؟ لدينا إشكالية مع هذه الآيات الواضحات أن هذا النص يجب أن تتم قراءته بشكل طولى حتى نعرف مقصد النص وعلته: (الحكم يدور مع العلة/ السبب وجوداً وعدماً).
هناك علة مطلقة ومؤقتة والاجتهاد فيها مفتوح مثال: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة: 282.. هذه الآية لم تقصد إهانة للمرأة بجعلها النصف، فالعلة أن تضل أحداهما، والآن هناك وزيرات فى كل مكان بالعالم، إذاً أين العلة؟.. فعلة ذلك انتفت، وهناك طرق أنه بشهادة امرأة واحدة رجع المال لأهله.. إذا كان فى النص علة وانتفت نستطيع أن نتناول النص بفهم وقراءة مغايرة.
وأضيف إلى ما ذكره المفكر الشاب، أن المرأة الآن فى مصر قاضية تجلس على المنصة، فمن أين تكتسب مصداقيتها، هذا تضارب فج ومرفوض بين دستور للبلاد ينصفها و«فهم بشرى» يصر على أنها «ناقصة عقل ودين»!.
ويوضح «بحيرى» أن هناك قيمة مطلقة: «إن الله يأمر بالعدل»، فما تراه بمفهومك عدلاً وتفعله، فأنت فى ظل الشرع، إذاً لا بد من التأويل بـ«عصف ذهنى مجتمعى» لنصل للمصلحة، التى قد تتغير أيضاً لاحقاً. نحن نتحدث عن نص إلهى ثابت فسره الكهنة والملالى حسب مذاهبهم، وفسره المنتفعون حسب مدارسهم الفكرية «مثل المعتزلة والأشاعرة».. وبالتالى أصبح عندنا عدة أديان ليس فيها وجه الإسلام المستنير: (السعودية أسقطت الأحاديث الضعيفة ونحن جعلنا السُّنة ثلاثة أرباع الدين)!!.
ارحمونا.