فى 29 يناير من العام 2009م وأثناء إحدى جلسات «مؤتمر دافوس الاقتصادى» احتج أردوغان على الهواء مباشرة أثناء إلقاء شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلى لكلمته، بسبب الإطالة وأيضاً لعدم إعطائه الكلمة للتعقيب، وعلى طريقة المسلسلات التركية «بالضبط» تم حشد جمع من أعضاء حزب أردوغان بالمطار لاستقبال السلطان الفاتح الذى صان كرامة تركيا فى وجه إسرائيل والعالم، ولم تهتز إسرائيل مطلقاً، فوفق نفس المنطق تقريباً ولكن بالأداء الإسرائيلى فى 31 مايو 2010م، قامت الأخيرة بغارة جوية على السفينة التركية «مافى مرمرة» التى كانت إحدى سفن أسطول الحرية المتوجه إلى غزة وقتل فى تلك العملية تسعة أتراك، لم يكن الطرفان لينزعجا من مثل هذه الحوادث التى كانت تهز العالم العربى حينئذ، فالأمر له ارتباط وثيق بالمسلسلات التركية، فهو بالفعل يخضع لتقنية فن صناعة الصورة وتداعياتها، فليس هناك أفضل من الخبر الأول فى جميع نشرات الأخبار التى تبث من عواصم العالم كافة لتحدث التأثير المطلوب، وقد احتلت الحادثتان فى نقلهما بالفعل هذا الموقع المؤثر وكان الجمهور المستهدف «وقتها» هو الجمهور العربى الإسلامى الكبير.
لم يهتز الطرفان أو ينزعجا لأن على خلفية هذه المشاهد الصاخبة كان يدور أكبر وأدق عملية توثيق للعلاقات بينهما، فخطوات محدودة للخلف تشى بأن الاتفاقية السرية التى وقعتها «تانسو تشيللر» رئيسة وزراء تركيا عام 1994م مع إسرائيل، وهى الخاصة بتبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الجهود ضد الإرهاب قد فتحت الباب لتوقيع 16 اتفاقية تعاون عسكرى عام 1996م، قام بها من الجانب التركى قيادات الجيش، رغماً عن تمنع «نجم الدين أربكان» رئيس الوزراء وزعيم حزب الرفاه الإسلامى الذى كان يجاهر بعدائه لأمريكا وإسرائيل، ولهذا السبب تحديداً كُلف أردوغان بقيادة انقلاب على رئيسه أطاح به وفكك حزبه بعد عام واحد فى السلطة، شاركه فى الانقلاب عبدالله جول وأحمد داوود أوغلو ليخرج الرفاه وزعيمه من الحياة السياسية عام 1997م ويقام حزب العدالة والتنمية على أنقاض هذا المجاهر بالعداء لإسرائيل.
تلك الاتفاقات العسكرية التى تبلغ 1.8 مليار دولار سنوياً هى من وقف وزير الدفاع التركى ليعلن صراحة أمام البرلمان، بأنه ليس هناك نية مطلقاً للمساس بها على خلفية حادث الاعتداء على مرمرة، وهى نفسها التى دفعت أردوغان لإصدار أوامره للسلطات القضائية التى كانت تنظر القضايا المرفوعة من أهالى الضحايا بالاكتفاء بالاعتذار الشفهى الإسرائيلى لغلق القضية وعدم المطالبة بالتعويض أو الإدانة، فأمر التعاون كان بأكبر مما يعلم أحد حتى بالداخل التركى، فقد كان فى نفس التوقيت هناك تجهيز لوجود الدرع الصاروخية الأمريكية وصواريخ باتريوت على الأراضى التركية، والموافقة التركية على استفادة إسرائيل من المعلومات الأمنية التى توفرها هذه الدروع والصواريخ، على المستوى الأمنى كان لافتاً وغريباً تلك الموافقة التركية على استفادة إسرائيل من المعلومات الأمنية للحلف الأطلسى على الأراضى التركية، حيث اشترط الحلف مسبقاً وقبل نشر بطاريات صواريخ باتريوت على الأراضى التركية ضمان هذه الموافقة، وهذا أمر خطير نظراً لأنه يعطى كل البيانات الأمنية التى يوفرها الحلف الأطلسى للكيان الإسرائيلى، وهى بيانات تتعلق بالتجسس على إيران والعراق وروسيا وسوريا والأمن الاستراتيجى لهذه الدول.
توقيع البروتوكول الثنائى بين أنقرة وواشنطن بشأن تطبيق قرار الأطلسى فى نشر الدرع الصاروخية فى «منطقة كوريجيك» بتركيا فى 14 سبتمبر2011م، هو ما كان من شأنه توفير خدمة استراتيجية هائلة لإسرائيل، إذ إن المعلومات التى يرصدها هذا الرادار ترسل فوراً إلى الرادار الأمريكى الخاص بالقبة الحديدية فى إسرائيل، على اعتبار أن الرادارات الأمريكية فى العالم هى «حوض استخباراتى واحد» وفق التعبير الأمريكى.