١
توترت يداه الممسكتان بالسلاح الذى يحمله.. إنه يرى البعض الذى يحاول أن يتسلق ذلك الجبل المكلف بحراسته.. لقد أخبروه أنه ممنوع على أحد أن يوجد فى هذه المنطقة التى يحرسها على الحدود المصرية الإسرائيلية.. سوف يحذرهم كما تعلّم.. سوف يهتف بصوت مرتفع ويطلق طلقات تحذيرية فى الهواء.. المؤكد أنهم سيخافون ويتراجعون.. وإذا لم يفعلوا فلا مفر.. سيطلق عليهم النيران.. إنها أرضه التى يحرسها.. لن يسمح لهؤلاء الإسرائيليين أن يعبثوا فيها.. هكذا تعلم منذ نعومة أظفاره.. إنه يعرف عدوه جيداً.. لقد عادت تلك الأرض بدماء زملائه ممن سبقوه من الجنود.. ولن يسمح أن يغتصبوها ثانية..
سوف يدرك هؤلاء الإسرائيليون أن الجندى سليمان خاطر لن يتركها لهم.. حتى لو كان الثمن هو حياته.
٢
«أمال أنتم قلتم ممنوع ليه.. قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم».
من أقوال الشهيد سليمان خاطر أثناء التحقيق معه!!
٣
تأمل تلك الجثث المسجاة أمامه.. لقد سقطوا قتلى.. لم يشعر بالندم مطلقاً.. يعرف جيداً أن هناك ما يدعى باتفاقية سلام بيننا وبينهم.. ولكن دهاليز السياسة لا تعنيه فى شىء. بل إن نبرات الفخر تبدو فى صوته واضحة وهو يبلغ قادته أنه قد أطلق النار على بعض المتسللين الإسرائيليين.. لقد أخطأوا ودنسوا أرضه الطاهرة.. ونالوا عقابهم على الفور.. سوف يفخر به قادته حتماً.. الكثير من التكريم فى انتظاره.. كم كان يشعر بالحسرة وهو يستمع إلى بطولات أسلافه من الجنود الذين عبروا القناة فى أكتوبر منذ اثنتى عشرة سنة مضت.. كم كان يتمنى لو كان معهم.. لكن ها هى الفرصة قد سنحت له ليسطر اسمه بين الأبطال الذين دافعوا عن هذه الأرض..
لقد رد الجميل لبلاده التى يعشقها.. وهذا يكفيه.
٤
- لماذا تصر على أن يكون سلاحك عامراً بالرصاص أثناء خدمتك؟
«اللى يحب سلاحه يحب وطنه ودى حاجة معروفة واللى يهمل سلاحه يهمل وطنه».
ـ بماذا تبرر حفظ رقم سلاحك؟
لأنى بحبه زى كلمة مصر تمام.
من أوراق التحقيق مع سليمان خاطر أثناء محاكمته!
٥
لم يكن ذلك الشاب الأسمر ذو التسعة عشر عاماً.. يعلم حين أمسك بسلاحه وأطلق الرصاص على هؤلاء الإسرائيليين الذين عبروا الحدود المصرية دون إذن.. فى الخامس من أكتوبر عام ١٩٨٥.. أنه لن يتم تكريمه.. وأنه سيحاكم ويسجن بتهمة الدفاع عن حدود بلاده التى أقسم على حمايتها.. والتى كان يعشقها..
كان سليمان خاطر -الابن الأصغر لخمسة من الإخوة، والمنتسب إلى كلية الحقوق- يؤمن بأن الدفاع عن الأرض هو دوره المقدس.. وأن السلاح الذى يحمله.. إن لم يدافع عن أرض بلاده.. فلا فائدة منه من الأساس..
لقد حاكم نظام مبارك الشهيد سليمان خاطر لأنه أدى واجبه.. والواقع أنه لو حاكمنا «مبارك» على تلك الواقعة فقط لكانت كافية لإعدامه مرات ومرات.
إنها ذكرى أكتوبر المجيدة التى حلت علينا منذ يومين.. ولكننا عاصرنا فى اليوم السابق لها.. ذكرى ذلك الشهيد الذى كان يعرف عدوه جيداً.. والذى أطلق الرصاص فى اتجاهه الصحيح.. لعل رصاص الإرهاب فى سيناء يدرك وجهته.. وبدلاً من أن يطلق رصاصه على المجندين فى كمائن الشرطة والجيش هذه الأيام.. يدرك من يطلقونه هذا الاتجاه الصحيح.. ربما للمرة الأخيرة.. وقبل فوات الأوان!