أرست الأشعرية القواعد لإسلام ضيق، أسست لعقيدة «سمعية نقلية»، تحتفى بظاهر النص فى تفسير الدين. تحتفل بأقوال الصحابة، وتعتمد على النقل.. وعلى التراث.. وكل ما وصلنا منه.. بتسليم كامل.. وتقديس هائل.
الأشعرية ضيَّقت الدين، والحركة السلفية أيضاً، الأشعرية حوّلت الإسلام من عقيدة واسعة رحبة، إلى نصوص منقولة عن الأصول بالتواتر والعنعنات. كان التفكير الأشعرى ضد التطور المطلوب للدين.. وضد العقيدة العابرة للقارات والأزمان التى أرادها الله للإسلام.
مثلاً، اعتمدت الأشعرية نفى الإرادة الكاملة عن الإنسان. نفت قدرته على الخير والشر، ووصلت على يد منظِّرها الأكبر الإمام أبوحامد الغزالى، إلى نفى السببية، وإرجاع وقوع الأحداث إلى إرادة الله.. لا إلى قوانين الكون وسلوكيات وأفعال الإنسان!
أوقفت الأشعرية العقل.. ووضعته فى أركان ضيقة. حرّمت الاعتماد عليه، وأخرجت من الملة، مَن تكلم عن آليات العقل وقدراته. بعضهم اعتبر العقل ضد النقل.. وآخرون اعتبروا التفكير فى الدين حرام، وقد سيطرت الأشعرية فى عصور الاضمحلال العباسى، أما فى عصور الازدهار الإسلامى، فقد كان الفكر الاعتزالى النقدى هو الغالب، والإسلام مختلف بين الاثنين.
فى العصر العباسى الثانى، وهو عصر اضمحلال فكرى ودينى، أخذت الأشعرية على عاتقها رد المساحات الواسعة للحرية الإنسانية التى ناقشها المعتزلة واكتسبوها إلى مناطق ضيقة. وهدموا ما كان المعتزلة قد بنوه من براهين على قدرة الإنسان ومسئوليته عن أفعاله.
سعى الأشاعرة فى مراحلهم التاريخية المختلفة إلى «تأصيل عقلى» لأفكار غير عقلية. ومع أنهم تكلموا عن «العقل» وأهميته، فإن مدارسهم كلها أبطلت العقل بالنقل، وقد أخذت مدارس الأشعرية كلها بالمنقول، وفضّلوه على الرأى والاجتهاد.. اعتبروا الأخذ «بالنقل بلا فحص» مبدأ دينياً كفّروا مَن خالفه.. أو حاول الرجوع عنه.
والأشاعرة أول من أوقف الاجتهاد فى محاولة لاستخراج حكم شرعى جديد مخالف لأحكام الصحابة والتابعين.
فروق كثيرة واضحة بين مساحات العقلانيين المسلمين وبين الأشاعرة، فقد رأى العقلانيون والمعتزلة أن الله منح العقل كل التراخيص للفحص، والنقد، وإعادة تدوير المسلَّمات الدينية.. اعتماداً على النص الأصلى (القرآن الكريم)، وفهمه مباشرة، لا اعتماداً على ما نُقل منه من تفسيرات للتابعين وتابعى التابعين.
لكن الأشاعرة أصروا اعتماد أقوال الصحابة ومسانيد التابعين «كأصل دينى»، أضافوا ذلك المفهوم كمسلَّمة مع الوقت، لعلم الفقه الإسلامى، الذى تطور، على يد المتأخرين منهم ووصل إلى اعتبار مسالك المسلمين الأوائل هى الإسلام.. وأن اجتهاداتهم هى صحيح الدين.
منذ العصر العباسى الثانى، يرى الأشاعرة أن مذهبهم وسطى.. هادئ.. متعقل.. لا هو معتزلى متطرف.. ولا هو شيعى غنوصى، وهذا الكلام فيه كلام. هذا كلام نصفه صحيح.. والنصف الثانى ليس كذلك.
صحيح أن الأشاعرة ليسوا شيعة.. لكن القول باعتدال وعقلانية مذهبهم.. فهذا الكلام الذى فيه كلام!!