إن فقه التلون وارتداء الأقنعة هو المرادف فى القاموس الإخوانى لما أطلقوا عليه (الكذب الأبيض المقدّس)، وفق مؤرخ الجماعة أحمد رائف، الذى قال «نحن نكذب.. الإخوان يكذبون فى سبيل الله».
الكذب لدى فقه التلون الإخوانى هو جزء من استراتيجية وضعها مؤسس الجماعة حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس عام 1938م؛ حينما قال: «إن الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية»، وهذا معناه سياسة تجميع للتنظيم وفق صور متعدّدة، «بحيث تظل الجماعة قادرة على التعامل على أى وجه، وفى أى محيط، وكى يمكنها أن تتقلب لتتلاءم مع أى تقلب يطرأ على المستجدات»، وفق السياسى الراحل رفعت السعيد.
للكذب الأبيض عند الإخوان استراتيجية واضحة، وهى:
1 - إخفاء الانتماء، فلا يمكن مطلقاً أن يعترف إخوانى أمامك بأنه من الإخوان، إلا فقط من تم حرقهم من القيادات التنظيمية، إلا أن هذا المتخفى لديه وحدة تامة مع الإخوان فى مشتركات، منها الأهداف والمضامين والخطاب، وأكبر مثل على ذلك لاعبو الكرة الإخوان.
2 - تصدير قوة ذكية وتأثير ممتد من طبقات اجتماعية مختلفة ومغايرة للإخوان لاستخدامها فى الخطاب الإخوانى، مثال بعض الليبراليين (أيمن نور مثالاً) والناصريين والأقباط والدعاة الجدد، وغيرهم، الذين تشاركهم الجماعة أهدافها واستراتيجياتها، وهنا سنجد فى اللائحة شركات اقتصادية تمويلية وشركات فنية وإنتاجية وشخصيات رياضية.. إلخ، وكل هؤلاء سيقدمون خدمات مجانية للجماعة لكنهم لن يعترفوا مطلقاً بأنهم مع «التنظيم» أبداً، وكلهم يتشاركون فى وحدة المضامين والخطاب والاستراتيجيات والغموض والسرية، ووحدة المرجعية الخارجية والمآلات.
3 - علانية الدعوة وسرية «التنظيم»، وهو مبدأ صنعه حسن البنا، وبعدها درج الإخوان على عدم الإفصاح عن هويتهم، حيث يقدّمون فى العلن أنفسهم كحركة معتدلة، تشدّد على الاندماج والوحدة والتسامح الدينى، وتدين الإرهاب بكل العبارات الطنانة التى يفضّل صناع القرار السياسى سماعها؛ لكن إذا نظرت إلى ما يقولونه فى مساجدهم أو فى الكتب التى يبيعونها فى مكتباتهم، تجد الجماعة مختلفة تماماً.
4 - إطلاق الشائعات وفق تكتيك الكذب، طالما أن تلك الشائعات ستخدم الجماعة وتضر أعداءها، ومن ضمن بعض الأمثلة على ذلك، ادعاء الانهيار الاقتصادى، أو خروج الآلاف فى مظاهرات ضد الدولة، أو الفشل الهندسى فى بناء مدينة العلمين الجديدة.. إلخ.
5 - دغدغة العواطف، وفق فقه التلون والكذب أيضاً، وهذا هدفه دغدغة عواطف الجماهير للقبول بالجماعة، وربما لا ينسى التاريخ أكذوبة «الحاج محمد هتلر»، التى أطلقتها جماهير «الإخوان» فى الأربعينات، وباركها «حسن البنا» ومفتى فلسطين «أمين الحسينى» بتصريحاتهما الشبيهة، أو كتاب زينب الغزالى الذى كذبت فيه جملة وتفصيلاً فى ما نقلته عن تعذيبها بالسجون.
6 - الكذب فى التحقيقات الأمنية، وأمام وكلاء النيابة، على اعتبار أن الحرب خدعة.
7 - الاستفادة من الديمقراطية، وأكبر مثل على ذلك هو خطة الجماعة بالغرب، أى الكياسة فى استخدام القوانين الغربية واستراتيجيات الاختراق، حيث تتشابه أدوات قوة التلون، حيث يصعب تصنيف أن هذا إسلامى وهذا غير، وذاك منشق وآخر عامل أو مستقل، حيث إنهم يتشاركون فى الاستراتيجيات والأهداف.
لكن خلاصة هذا أننا سنجد اتفاقاً بين جميع المتلونين ومستخدمى هذا الفقه، أن المضمون الأساسى المشترك بينهم أن «الإسلام غائب ويجب أن يعود»، و«غياب الفهم الصحيح للدين»، ويجب أن نفهمه كما ينبغى، ولا بد من كيان يضم المسلمين مرة أخرى مثل: «وحدة» أو «نهضة» أو «جماعة».. إلخ، وربما تعبر كلها عن أشكال مختلفة لمفهوم أرضية سياسية هى «عودة الخلافة»، ذلك المفهوم الذى ربما يخفونه داخل مفهوم أكبر منه وهو «أستاذية العالم».