هل للكآبة.. والمزاج المعتل علاقة دائماً بالإبداع؟
بعضهم يقول إن الإبداع فرفشة.. لكن التاريخ والشواهد وشخصيات كثيرة تشع عبقرية.. تقول العكس.
مثلاً الكاتب الروسى الرائع فيودور دوستويفسكى دوناً عن كل ما أبدع وكتَبَ من قصص وروايات وشخصيات قال إنه لا يرى نفسه إلا فى شخصية «راسكولينيكوف»، بطل روايته البديعة «الجريمة والعقاب».
و«الجريمة والعقاب» هى أقسى وأصعب مأساة مكتوبة حتى الآن فى العالم.
والرائع هو الآخر، رغم أنه كان شيوعياً حتى الثمالة، الكاتب الروسى مكسيم جوركى. مأساة «جوركى» أنه عاش شيوعياً فى شبابه.. وكبر واستمر شيوعياً.. ومات وهو شيوعى!
القول المأثور إنك إذا ما كنت شاباً ولم تكن شيوعياً فإن بك شيئاً.. أما إذا نضجت وكبرت.. وما زلت شيوعياً.. فإن بك شيئاً!
كان «جوركى» هو الآخر وكأنه بذرة الكآبة والتشاؤم على هذا الكوكب. والذين قرأوا رواية «الأم» شَمّوا رائحة «العطن» و«العفن» طوال أحداثها.
كانت حياة «جوركى» كئيبة.. لكن هناك من يرى أنه أراد أن تكون حياته كذلك. أحياناً ما تكون الكآبة اختياراً.. كما يكون الموت. ويبدو أن «جوركى» من حبه فى الكآبة.. جعل رواياته، كما يقولون، أكأب من كآبة حياته.
وفى رواية تشارلز ديكنز «ديفيد كوبرفيلد»، تسوّد الدنيا فى عين القارئ لأنه لا مأساة أكبر ولا أبشع من هذا. لكن اللغز أن تشارلز ديكنز حاول أكثر ما حاول إنسان على هذه الأرض أن يستمتع.. رغم الظروف.. ورغم المعاناة.
لكن ليس هؤلاء الذين عانوا وحدهم.. فأبدعوا وحدهم. فهناك من كان جباراً شقيّاً مثل القائد الفرنسى الرهيب العظيم نابليون بونابرت.. رغم أنه عاش حياة ليست سعيدة.
هل هناك من هو أقوى من «نابليون»؟
لا. لكن رُغْمَ قوته الظاهرة هذه، ورُغم أنه الرجُل الذى دوّخ العالم، وأثار إعجاب رجاله ونسائه، ورُغم جبروته فقد لعبت به امرأة.. اسمها «جوزفين».
فى خطاب لأحد رجال «نابليون» باعته صالة كريستى للمزادات منذ سنين كتبت «جوزفين» تقول: «الإمبراطور يعرف أننى أذوب فيك عشقاً، ويغرق هو فى حبى.. أهينه، لكنه لا يستطيع أن يفعل أى شىء معى.. مع أنه نابليون». وقالت: «أنا لا أخافه، لكن هو الذى يخافنى ويخشانى».
أحدث هذا الخطاب دوياً لما باعوه.. ليس لأن سعره وصل 3 ملايين دولار.. لكن لأنه كشف مدى التعاسة التى عاشها «نابليون» مع زوجته وكيف لعبت به.. بينما ظل صامتاً حتى مات.
لا أحد يعرف ما الذى جعل الرجل الذى أخضع العالم يركع أمام زوجته فتضربه على خده الأيمن فيدير لها الأيسر.. وهو سعيد.
لا أحد يعلم أيضاً السّر فى أن تلعب «جوزفين» بالإمبراطور الذى أخضع البلاد والعباد، فيرضَى، ويستكين، وينام تحت قدميها يعد النجوم.. ويعد الذين عشقتهم.
و«باراس»، واحد من مديرى الحكومة الفرنسية.. وهو واحد من أهم وأشهر تلاميذ «نابليون»، هو الذى كان قد تدَخّل ليُقنع «جوزفين» بالزواج من «نابليون»، وهو الذى نام «نابليون»، فيما بَعد، على رِجْل الكرسى فى مكتبه يشكى له «جوزفين» وأفعال «جوزفين».. وقصصها الغرامية مع ضباط الجيش.
زوجة نابليون «مرمطت» سمعته فى التراب، مثلها مثل الليدى بومبادور، وزوجة تشارلز ديكنز، وأم الفيلسوف شوبنهاور، وأم أطفال الأديب الروسى دوستويفسكى.. ولا أحد يعرف حتى الآن.. ما الذى أجبر هؤلاء العباقرة على هؤلاء النساء؟!