فى تقديرى، مع احترامى للمفسرين، أن «الطارق» فى قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ) هو الرسول صلى الله عليه وسلم، يطرق باب السماء الأولى ليرتقى فى السموات السبع، أما الثاقب فهو نجم يثقب مداراً لم يكن له أن يخترقه.
الطارق فى تفسير ابن كثير
وفى تفسير ابن كثير لقوله تعالى فى مطلع سورة الطارق (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ) أن الله تعالى يقسم فى هذه الآيات بالسماء وما تحويه من النجوم المضيئة والكواكب المنيرة التى خلقها فيها، وقد فسر الطارق فى الآية السابقة بالاستناد على أقوال أهل العلم بأنه قد سُمى بالطارق لأنه لا يُرى إلا فى الليل، وقال بعضهم إن الثاقب هو المضىء، وقال آخرون هو النجم الذى يثقب الشياطين ويحرقها.
الطارق من تفسير الطبرى
قال الطبرى إن الطارق هو اسم للنجوم المضيئة التى تظهر فى الليل وتختفى فى النهار، وكل ما هذه صفته يسمى طارقاً، كما وصف الله تعالى هذا النجم بكونه ثاقباً، وساق أقوال أهل العلم فى ذلك، وقال البعض إن المراد هو النجم الذى يسمى «زحل».
هل ورد إعجاز علمى عند القائلين به فى آية «النجم الثاقب»؟
الإعجاز العلمى فى قوله «النجم الثاقب»، وفى قوله و«السماء والطارق» من تفسير البغوى
قال البغوى إن الطارق هو النجم الذى يظهر فى الليل، وكل ما يأتى ليلاً يسمى طارقاً، ويوصف هذا النجم بكونه ثاقباً لتوهجه وشدة ضيائه، ويقال هو «زحل» ويسمى كذلك لارتفاعه وظهوره.
الطارق فى قوله (والسماء والطارق) من تفسير الرازى
قال الرازى، رحمه الله، إن الطارق هو جميع ما يأتى فى الليل، سواء كان من الكواكب أو النجوم أو غيرها، وذلك لأن الطروق لا يكون إلا فى الليل.
«والسماء والطارق» من تفسير السعدى
قال السعدى، رحمه الله، إن الطارق هو النجم المضىء ثاقب النور، الذى يخترق السماوات ويصل إلى الأرض، والصحيح أنه اسم جنس يشمل جميع أنواع النجوم التى تمتلك هذه الخاصية وهى «الثقب»، وقيل إن الطارق هو «زحل» إذ إنه يخرق السماوات السبع وينفذ فيها ويُرى منها، ويسمى هذا النجم بالطارق لأنه يطرق ليلاً.
وقال القرطبى، رحمه الله، إن الطارق هو النجم، ويسمى بذلك لأنه يظهر فى الليل. وقال البيضاوى، رحمه الله، إن الطارق هو الكوكب الذى يراه المشاة فى الطرق ليلاً، وهو نجم مضىء يوصف بأنه ثاقب لأنه يخترق الظلام كأنه يثقبه بضوئه، أو أنه يخترق الأفلاك، ويمكن أن يكون المقصود كل نجم مضىء يخترق الظلام، أو أن المراد هو «زحل». وفى تفسير النابلسى قال إن الطارق فى الأصل هو الضارب، فيقال «طرق الباب» أى: ضربه، ومنه قيل للطريق طريقاً لأن الإنسان يطرقه بسيره فيه، ويستعمل الطارق ويُراد به ما يأتى ليلاً فقط، والمراد بالطارق فى هذه الآية النجم الثاقب الذى يثقب الظلام بضيائه، وفى تفسير الجلالين أن الطارق هو الثريا أو جميع النجوم المضيئة الثاقبة التى تثقب الظلام بضيائها.
الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
يمكن تعريف الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم على أنه إخبار القرآن عن حقائق علمية فى الكون أو فى جسم الإنسان أو فى أى علم من العلوم، وهذه الحقائق اكتشفها العلم الحديث بعد أن تحدّث عنها القرآن الكريم بقرون طويلة، وهذا الإعجاز يُعد من الأشياء التى تؤكد صدق الرسالة المحمدية التى أرسلها الله تعالى إلى الناس أجمعين، وهى دليل قطعى على أن هذا الكتاب كتاب معجز، وهو معجزة باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأن الإسلام هو الدين الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا المقال سيتناول الحديث عن الإعجاز العلمى فى قوله (والسماء والطارق).
سورة الطارق تُعد من السور المكية التى نزلت على رسول الله فى مكة المكرمة، بواسطة أمين الوحى جبريل عليه السلام، وهى واحدة من سور المفصّل، يبلغ عدد آياتها سبع عشرة آية، وقد نزلت على رسول الله بعد سورة البلد مباشرة، وهى السورة السادسة والثمانون من سور المصحف الشريف، حيث تقع فى الجزء الثلاثين والحزب التاسع والخمسين، وتُعتبر سورة الطارق من السور القرآنية التى لم يُذكر فيها لفظ الجلالة، ومن السور التى تبدأ بقسم «والسماء والطارق»، حيث أقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء والطارق، وتدور معظم مواضيع سورة الطارق حول العقيدة الإسلامية والأمور المتعلقة بها، وهى تتحدث أيضاً عن مسألة الإيمان بالبعث والنشور، وهى واحدة من السور التى تبرهن على قدرة الله تعالى على البعث وإحياء العظام من الرميم، وفيها إعجاز علمى يتعلق بمسألة القسم فى الآية الأولى، فى قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ).
الإعجاز العلمى فى قوله (والسماء والطارق)
عبر تاريخ الإنسانية الطويل، ظلت السماء والكواكب هاجساً كبيراً ومكاناً مجهولاً، يحاول الإنسان ويسعى بكل ما لديه من إمكانيات أن يبحث فى خضمّ الكون ليكشف شيئاً من الأسرار التى لم يجد لها حلاً لسنين طويلة، فاستخدم الإنسان العدسات والتليسكوبات فى سبيل رؤية النجوم وتتبع حركتها ومعرفة خصائصها وأشكالها وأحجامها، حتى وصل الإنسان بعقله إلى ما وصل إليه العلم الحديث، فاستطاع أن يرسل الأقمار الصناعية ويصور بالكاميرات أدق الصور لحركة الكون المحيطة بالكوكب، واكتشف المجرات والنجوم والكواكب، ومع تقدم التطور العلمى فى العالم استطاع الفلكيون رصد أصوات دقات منتظمة تخرج من بعض النجوم فى السماء، وهى أصوات وإشارات قادمة من الفضاء البعيد تشبه صوت طرْق، والطرق فى اللغة العربية هو الضرب بالمطرقة على شىء ما طرقات منتظمة، وهذا الصوت يمكن للإنسان أن يسمعه بالأذن، ولكنه يحتاج إلى وسط مادى قابل للانتشار فيه، وهذه كلها حقائق علمية اكتشفها علماء الفلك فى القرن الماضى، ومنها ما تم اكتشافه فى نهايات القرن العشرين.
ومن هنا يأتى الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم، فقد تحدّث كتاب الله تعالى وأقسم رب العزة تبارك وتعالى، قبل قرون بعيدة، بالسماء وبالطارق والنجم الثاقب، أقسم بنجم يُصدر أصواتاً تشبه أصوات الطرق، هذه الأصوات التى احتاج الإنسان مدة زمنية طويلة جداً حتى استطاع أن يسمعها، أخبر عنها القرآن الكريم فى سورة الطارق، حيث قال تعالى (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ). ومن هنا تظهر قيمة كتاب الله العظيمة، وتظهر أهميته وعظمته وصدقه، ومن هنا يمكن دحض كل أفكار الكاذبين المفترين على الله، والمدعين على كتابه ما ليس فيه من النقص، والله أعلم.