لا تجد نصاً سينمائياً يعبر عن فكرة الولع بركوب «التريند» مثل فيلم Don›t Look Up «لا تنظر إلى أعلى». الفيلم أمريكى من إنتاج عام 2021، ويناقش ما فعلته السوشيال ميديا بالبشر العاديين، والكيفية التى يستخدم بها المسيطرون أدواتها فى إخضاع الشعوب وتسييرها فى الوجهة التى تخدم مصالحهم.
يكشف الفيلم أيضاً الدور الذى يلعبه «التريند» فى تحديد أولويات اهتمام الشعوب، وكيف تمكن عالم «السوشيال ميديا» من جعل أتفه الموضوعات أولوية لدى الجمهور، وكيف أصبح بإمكان التوافه إزاحة أكثر الموضوعات أهمية، بما فى ذلك الموضوعات التى تحمل تأثيرات داهمة على حياة البشر على الكوكب، مثل الموضوع الذى حاول أحد علماء الفلك الأمريكيين ومساعدته الباحثة الشابة تنبيه المجتمع إليه، ويتعلق باقتراب مذنَّب هائل من الأرض، وتأكيد الحسابات العلمية أنه سوف يدمر الحياة على الكوكب خلال ستة أشهر ونصف، وهو التحذير الذى قوبل بالاستخفاف من جانب الميديا والسوشيال ميديا.
يفضح الفيلم الفخ الذى وقعت فيه وسائل الإعلام التقليدى، حين اتجهت إلى مجاراة الإعلام الجديد فى البحث عن «التريند»، من خلال تتفيه وتسفيه أكثر الموضوعات جدية وخطورة، تماماً مثلما صنع مقدمو أشهر برنامج أمريكى وهم يتابعون حديث عالم الفلك عن المذنَّب الذى يهدد الحياة على الأرض، حيث تمنى المذيع أن يقع فوق منزل مطلقته التى دوخته السبع دوخات!.
الأخطر فى الفيلم أنه يكشف تلاعب رجال الأعمال وملاك شركات «الهايتك» بصناع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، بما فى ذلك مؤسسة الرئاسة، وذلك من خلال صاحب واحدة من كبرى الشركات المصنعة للموبايلات، يسيطر على رئيسة الولايات المتحدة، اعتماداً على تمويله لحملتها الانتخابية، تمكن الرجل من إثناء «الريسة» عن تنفيذ عملية إطلاق عدة صواريخ نووية لتفتيت المذنَّب فى الفضاء قبل دخوله إلى الغلاف الجوى للأرض، واتفق معها على تحطيمه عبر تقنيات تكنولوجية خاصة صنعتها شركته ليسقط حطامه فى المحيط وتتولى البحرية الأمريكية جمعها بعد ذلك.
أدرك رجل الأعمال أن حطام المذنَّب يحتوى على معادن تساوى مليارات ممليرة من الدولارات ستفيد عمله فى تطوير الرقائق الإلكترونية، فأعطى أوامره للرئيسة الأمريكية بعدم الانصياع لرؤية العلماء وخطتهم لمواجهة هذا الخطر، وسايره فى ذلك بعض العلماء ممن يشتهون المال ويحترفون تزييف الحقائق من أجل خدمة مالكيه.
كان المذنَّب يقترب من الأرض شيئاً فشيئاً حتى بات من الممكن رؤيته بالعين المجردة، هنالك رفع العلماء المحذِّرون من الخطر القادم شعار «انظر إلى أعلى»، وحول هذا الشعار تكونت حركة جماهيرية تحذر من الخطر، لكن المسيطرين من السياسيين ورجال الأعمال تمكنوا من تكوين حركة نقيضة ترفع شعار «لا تنظر إلى أعلى»، وكذلك نجحوا فى قسمة المجتمع على اثنين، وأصبح «كل حزب بما لديهم فرحون»، ويعادون ما لدى الحزب الآخر.
جرت الأمور على هذا النحو، وبات المذنَّب على بُعد ساعات من الاصطدام من الأرض، وكل فريق سادر فيما هو عليه، حتى جاءت اللحظة الحاسمة فاصطدم المذنَّب بالكوكب ودمر الحياة عليه.
هكذا تحول الصنم التكنولوجى الذى صنعه البشر إلى أداة تدمير للحياة برمتها.