فى عام 1917 أصدر وزير الخارجية البريطانى آرثر بلفور وعده (المشؤوم) لليهود بمنحهم وطناً قومياً فى فلسطين المحتلة، وكان وعداً ممن لا يملك لمن لا يستحق.
وفى هذا العام ونحن نحتفل بالعيد التاسع لثورة 30 يونيو، خرج علينا (المناضل المموه) حمدين صباحى قبل أيام بوعد جديد لجماعة الإخوان الإرهابية بإمكانية مشاركتها فى الحوار الوطنى الذى سيبدأ خلال يوليو الجارى، وقال «صباحى»، خلال لقاء على فضائية «الميادين» اللبنانية: «لا يوجد نص ضد هذه المشاركة»، لكنه اشترط عليهم -أى الإخوان- أن يطلبوا المشاركة، ويكون هذا إقراراً واضحاً منهم بأنهم يعترفون بشرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ودستور 2014، وشرعية السلطة التى يطلبون الحوار فى ظلها!.
«حمدين» هنا بهذا الوعد مثل «بلفور» تماماً، فهو أيضاً لا يملك وأعطى من لا يستحق، ولا أعرف من أين أتى بكل هذه الثقة لإطلاق وعده هذا للإخوان؟، ومن قال له إن هؤلاء الإرهابيين لو اعترفوا بشرعية النظام، ودستور 2014 سيشاركون فى الحوار؟، وقال إيه.. لا يوجد نص يمنع ذلك!، وكأن ثورة 30 يونيو لم تقم، وأعتقد أنها أقوى من مليون نص، وكأن عشرات الملايين من المصريين لم يهتفوا معاً «يسقط حكم المرشد».
أتذكر الآن تاريخ حمدين صباحى الممالئ للإخوان فى كل تشابكاته السياسية، كان يتودد لهم، لأن مصير عضويته فى البرلمان رهن لأصواتهم فى دائرته الانتخابية، وكان ذلك قبل 25 يناير 2011، وبعدها تماهى مع الجماعة بعد أن تأكد من سيطرتها على مجريات الأحداث، وتحالف معها فى انتخابات 2012، حتى إنه دفع بقبطى من قيادات حزب الكرامة للترشح تحت شعار «الإسلام هو الحل»، وجرياً وراء الجماعة لم يتورع حمدين صباحى عن التضحية بتاريخه السياسى المبنى على كونه «ناصرى» واعتذر للجماعة عما تعرضت له من «ظلم» خلال حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وفى شهر يوليو 2011 قال «صباحى» خلال مؤتمر جماهيرى الحاشد بمدينة السنبلاوين بالدقهلية باعتباره مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية، إنه فى حال انتخابه لن يعيد أى مظالم ارتكبت فى عهد جمال عبدالناصر، مضيفاً أنه سيطبق الديمقراطية التى فشل فى تطبيقها عبدالناصر أو من حكم قبله أو بعده، وزاد الطين بلة وطالب الجميع بتحية واحترام القادة الوطنيين فى تاريخ مصر، وهم كما ذكرهم بالاسم، مصطفى كامل وأحمد عرابى وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر.. وحسن البنا والإخوان.
باع «حمدين» عبدالناصر واشترى الإخوان، وتحول إلى سياسى مموه لا لون له وهو ما دفع عبدالحكيم عبدالناصر نجل الزعيم الراحل إلى رفض استقباله أثناء زيارته ضريح والده فى 23 يوليو 2013، وأرجع عبدالحكيم تصرفه إلى قيام «صباحى» بالتحالف مع الإخوان، وقالت الدكتورة هدى عبدالناصر، ابنة الزعيم الراحل، إن حمدين صباحى (المرشح الرئاسى) لا يمثل الناصريين لأن عبدالناصر لم يكن رجل مواءمات، بينما صباحى كذلك، على حد قولها.
فى تصريح شهير للراحل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق قال إن «حمدين صباحى تحالف مع الإخوان عندما كان معنا فى جبهة الإنقاذ»، وتحدى «السعيد» أن يكذب «صباحى» هذا الكلام.
كان لحمدين صباحى أسبابه -التى تخصه وحده- فى التودد للإخوان قبل ثورة 30 يونيو، ولكن ما الذى يدفعه لذلك الآن بعد أن تأكد هو وغيره ممن وقفوا وراء الجماعة الإرهابية ودعموها فى الداخل والخارج، أنها سقطت فى 30 يونيو 2013 بثورة شعبية كبرى، ولم يتم القضاء عليها بقرار إدارى أو سلطوى، وهو ما يجعل عودتها مرة أخرى من رابع المستحيلات.
أرجو أن يرحمنا حمدين صباحى، وأن يعرف أن وزنه السياسى لا يتيح له الحديث باسم المصريين.
ختاماً.. تذكرت الآن تعبيراً أدبياً مستهلكاً وركيكاً يصف الإنسان قصير النظر بأنه «لا ينظر أبعد من أرنبة أنفه»، وأشفقت على حمدين صباحى الذى باع ماضيه، وتاه فى حاضره، ولا يستشرف مستقبله.