لم تتعرض جماعة الإخوان المنحلة عبر عقد من تاريخها إلى حجم نكبات مثل التى عاشتها تحديداً منذ عام 2013، بدايةً باندلاع الانقسامات الجذرية بين فرعيها مع ظهور فرع ثالث -والحديث بدأ عن إعلان فرع رابع- مع تبادل قادتها الاتهامات من عيّنة العمالة والعمل ضد ما يزعمون أنه «قيم التنظيم» كما تدور فى إطار الكذب والفساد المالى.. وهى صفات متأصلة فى جذور الجماعة، لكنها بدأت تظهر بصورة علنية بين جبهات الإخوان المتصارعة. واكب الانشقاق إقصاء الجماعة وتنظيمها الدولى من أجندة اهتمامات أغلب دول المجموعة الأوروبية -باستثناء بريطانيا وأمريكا- إذ ما زالت حالة الاستقطاب المتزايد بين تيارى اليمين المتطرف المحافظ واليسار الليبرالى تجد فيما أطلقت عليه «الإسلام السياسى» سلاحاً يُستخدم فى الصراع القائم بينهما على السلطة.أمام كل الأزمات التى عصفت باقتصاد العالم وأعادت ترتيب خارطته السياسية والأمنية، تراجع تأثير هذا السلاح على اختيارات الناخب الأوروبى أمام ملفات الطاقة وتأمين المواد الغذائية. حسابات الخسارة والربح عند مجموعة الدول الأوروبية والآسيوية حسمت مصالحها تجاه التوافق مع إرادة شعوب المنطقة العربية بعدما أفقدها الاستعلاء وفرض قوالب نمطية الكثير من مصالحها.. الأزمات المستحدثة على المشهد الأوروبى أصبحت تشير إلى ارتفاع مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى، وهى الورقة الأهم حالياً فى صراع الأحزاب. أوروبا الآن تضع الانفجارات الغاضبة للمطالبات الشعبية ضمن أولوياتها.. بل أصبحت تميل إلى اعتبار التيارات الإسلامية جزءاً من مشكلاتها وليست حلاً لها، كما أن حديث المظلومية -سواء على صعيد المنطقة أو دولياً- فقد تأثيره فى حشد بعض التعاطف الذى كان يحظى به عبر القرن الماضى.خاتمة النكبات وقعت مع الداعمين الرئيسيين للجماعة فى المنطقة -إقليمياً وعربياً- الذين أسقطوا ورقة الإخوان بعدما استخدموا الأخيرة لجمع الدعم الشعبى داخل دولهم، لكن هذا الخطاب لم يعد يملك ذات القيمة بعد تجرد الإخوان من كل أوراق المصداقية.من أهم الإصدارات الحديثة كتاب بعنوان «الجهاز السرى- الإخوان المسلمون وصناعة الموت» تأليف «سنثيا فرحات» المصرية الأصل الأمريكية الجنسية. الكاتبة تناولت قضية الإسلام السياسى فى أغلب دراساتها وأبحاثها التى تُظهر كارثية الدعم الأمريكى لهذه الجماعة. القيمة التى لا تحتمل التفنيد هى الحقائق التى تضمنها الكتاب، إذ تدعم مؤلفته كلماتها بوثائق أمريكية وبريطانية تكشف جميعها الوجه القبيح للإخوان وتؤكد إثبات كونها الحاضنة الدولية للعنف والإرهاب المعاصر، فقد خرج من عباءتها كل الجماعات التكفيرية مثل «التكفير والهجرة»، «الجماعة الإسلامية»، «جند الإسلام»، «أنصار بيت المقدس» وغيرها. المد الإرهابى لم يتوقف داخل الدول، بل تم تصديره إلى الخارج كما الحال مع جماعة «أنصار الشريعة» فى ليبيا و«التوحيد والجهاد» فى الأردن و«طلائع الفتح» ذات الفروع فى عدة دول عربية، وصولاً إلى أشرس التنظيمات التكفيرية.. «القاعدة» و«داعش». فى نهاية الكتاب تقدم الكاتبة الدلائل على أن سياسة الغزل الأمريكى - البريطانى تجاه الإخوان لن تفيد، بل ستسبب خسائر فادحة لشعوبهما قبل الآخرين، ويجب عليهما عدم التردد فى تجريم جماعة الإخوان وتصنيفها منظمة إرهابية كى تحمى أمنها، وأن تاريخ الصفقات السرية التى عُقدت بين الجماعة وأطراف دولية انتهت بعدم التزام الطرف الأول وإثارة العنف داخل هذه الدول، إذ ضمن الحقائق التى ارتبطت بهذه الجماعة القدرة على الكمون حتى تمر العاصفة لتعود إلى تغيير جلدها باستخدام أدوات مختلفة تواكب مستجدات العصر.تجاوزت دول المنطقة استبعاد التيارات المتاجرة بالدين الإسلامى من الحكم لتدخل مرحلة استبعادهم من المشاركة فى النقاشات المجتمعية حول ترتيب المشهد السياسى، ما يعبّر عن اتجاه شعبى عام يدعم إعادة جماعة الإخوان وكل ما انبثق عنها فى هذه الدول إلى العزلة التى كانت عليها، خاصة فى مصر، تونس، المغرب، ليبيا، بعدما أطاحت بهم الاحتجاجات التى اجتاحت هذه الدول. فى العراق لا يختلف العنوان الرئيسى للمشهد وإن شاب تفاصيله بعض الاختلاف.الإشكالية الرئيسية المرتبطة بمشروع الإسلام السياسى هى أن القوى الإسلامية المشاركة بقوة فى العملية السياسية تعتبر نفسها امتداداً عقائدياً وسياسياً للنظام الإيرانى، هى لا تملك أى مشروع سياسى وطنى سوى تحويل العراق إلى سوق اقتصادى لدول إقليمية ومنبع لتهريب النفط وغسيل الأموال. وسياسياً تحويل العراق إلى طرف استراتيجى للتأثير على المعادلة السياسية فى المنطقة لصالح نفوذ طرف إقليمى.كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية «سنعلن قريباً انقضاء موجة الإرهاب بعد معاناة 10 سنوات» بالتأكيد تحمل طمأنة صادقة للمواطن من واقع الحال على الأرض.. لكنها يجب أن لا تُفهم بمعنى التهاون ضد ما يهدد الأمن القومى المصرى.