تعرف على أبرز محاور "تجربة اليابان" في مجال التعليم
اليابان البلد الآسيوي الشرقي المتقدم الذي يفتخر بانعدام نسبة الأمية به، والذي يرجع نهوضها لإرادة انتقام من تاريخ تحدي أمة هزمت وأهينت، وبناء الإنسان الذي كرسه نظام التعليم والثقافة، فهزيمة كبرى تلحق به في الحرب العالمية الثانية تثير في نفوس أبنائه الغيرة على بلادهم، وتلهب نيران الحماسة في صدور شبابه على مستقبلهم ومكانتهم بين دول العالم، حيث ردت اليابان على هزيمتها بهذا النهوض العظيم الذي أحدثته إرادة الشعب الياباني الذي استمر في المحاولات والبحث عن السبل التي مكنتهم من الرقي والتقدم.
وأصبح اسم اليابان مطبوعًا في أذهاننا، لما يقدمه ذلك البلد من اختراعات وصناعات للعالم، ذلك البلد الذي لم تثنه الحروب عن التقدم والازدهار، وعكف على بناء نفسه، وأدرك قادته ألا سيادة لهم إلا بالعلم واليد العاملة، تعد نقلته النوعية مثلًا أعلى لشعوب العالم.
ويرتكز النظام التعليمي في اليابان علي عدة محاور جعلته من أرقى دول العالم تعليما، وساهم هذا النظام التعليمي في تقدم وازدهار اليابان في شتى المجالات.
وترصد "الوطن" أهم محاور النظام التعليمي الذي ترتكز عليه اليابان، البلد الشرقي الأسيوي التي تعتبر أن الشخص الذي لا يُجيد لغة أجنبية ولا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر في عداد الأميين.
المزج بين المركزية واللامركزية في التعليم: وتتميز اليابان بشكل عام بأن نظام تعليمها يغلب عليه طابع المركزية، لتوفير المساواة في التعليم ونوعيته لمختلف فئات الشعب على مستوى الدولة، ويتم تزويد كل طفل بأساس معرفي واحد، بحيث تقوم بغرس المعرفة التي ساعدتها للتحول من دولة إقطاعية إلى دولة حديثة، من دولة منهكة تتلقى المساعدات إلى دولة اقتصادية كبرى تُقدم المساعدات لمختلف الدول النامية في العالم.
وتُقرر وزارة التعليم اليابانية الإطار العام للمقررات الدراسية في المواد كافة، وبذلك يتم ضمان تدريس منهج واحد لكل فرد في الشعب في أي مدرسة وفي الوقت المحدد له، والوزارة مسؤولة عن التخطيط لتطوير العملية التعليمية على مستوى اليابان، كما تقوم بإدارة العديد من المؤسسات التربوية بما فيها الجامعات والكليات المتوسطة والفنية.
العمل الجماعي والنظام والمسؤولية: حيث يركز النظام الياباني للتعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى الطلاب تجاه المجتمع بادئًا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، بالمحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك، ولا يوجد عمال نظافة إذ يقوم التلميذ عند نهاية اليوم الدراسي بكل ما يتعلق بنظافة المدرسة، كذلك بتقسيم أنفسهم عند تناول وجبة الطعام في المدرسة بخدمة أنفسهم.
أما على الصعيد العلمي والتحصيل فتناقش باستخدام المجموعات الدراسية، كما يتم في وقت غياب المدرس بتهيئة الفصل وتنظيمه وحل مشكلاته بما فيها مشاكل التلاميذ بين بعضهم بعضًا، وفي نهاية اليوم الدراسي بعقد جلسة جماعية حيث يجتمعون ويسألون أنفسهم فيما إذا كانوا قد أتموا عملهم اليوم على أكمل وجه، وتستهدف هذه الطريقة في التعليم روح الجماعة وتحمل المسؤولية والالتزام والقيادة، كما تشكل أيضًا قوة نفسية رادعة لكبح جماح السلوكيات الاجتماعية غير اللائقة تجاه المجتمع.
الجد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء: يستطيع كل شخص في إطار هذا استيعاب ودراسة أي شيء وفي أي مجال وتحقيق قدر كبير من النجاح فيه من خلال بذل الجهد، لذلك يستطيع الطالب أن يدرس أي مقرر دراسي حتى ولو كان لا يتناسب مع ميوله طالما توفرت العزيمة على بذل الجهد والمثابرة، فالنجاح والتفوق لا يتحددان باختلاف الموهبة والذكاء ولكن بالاختلاف في بذل الجهد، إذ لا يستطيعون الوصول إلى وظيفة مرموقة دون الاجتهاد وبذل الجهد والمثابرة للقبول بمدرسة ثانوية مرموقة ومميزة ومن ثم جامعة مرموقة أيضًا، فاختبارات اجتياز كل مرحلة الى الأعلى غاية في الصعوبة.
الكم المعرفي وثقل العبء الدراسي: يعتبر عدد الأيام الدراسية وعدد الساعات في السنة أطول عددًا مقارنة بأي دولة أخرى، حيث يبدأ اليوم الدراسي عادة للطلاب من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الرابعة تقريبًا، أما المعلمون فعملهم حتى الساعة الخامسة ولكنهم يظلون في عملهم حتى السادسة والسابعة مساء.
ويقوم طلاب المدارس بالذهاب إلى المدرسة أثناء العطلة الصيفية لبعض الأيام تبعًا لبرنامج محدد مسبقًا، بالإضافة إلى تكليفهم بالقيام بواجبات ومشروعات تتطلب منهم جهدًا ليس بالقليل أثناء العطلة، كما يمارسون طوال العطلة نشاطات رياضية مثل السباحة وغيرها بالمدرسة بشكل منتظم حسب برنامج العطلة المحدد مسبقًا من قبل المدرسة.
الحماس الشديد من الطلاب وأولياء الأمور للتعليم وارتفاع المكانة المرموقة للمعلم: يأتي الحماس الزائد للطالب الياباني من عوامل كثيرة مثل طبيعة الشخصية اليابانية الفضولية التي تبحث عن الجديد دائمًا، وكذلك خبرة اليابانيين في استقبال الكثير من الثقافات المختلفة وتطويعها لثقافتهم، إذ أن اختيار كبار موظفي الدولة يعتمد على أساس ما يتمتعون به من معارف، لذلك كانت الحاجة لمختلف الكفاءات من مختلف فئات وطبقات الشعب الذين أقبلوا على التعليم والارتقاء العلمي، كما أن المعلمون يحظون باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة، تتضح من خلال النظرة الاجتماعية المرموقة لهم، والمرتبات المغرية التي توفر لهم حياة مستقرة كريمة ويتساوى في ذلك المعلمون والمعلمات، كذلك من التهافت على شغل هذه الوظيفة المرموقة في المجتمع، إذ لا يحصلون على هذه الوظيفة إلا بعد اجتياز اختبارات قبول شاقة تحريرية وشفوية.
ويأتي المحور الأهم في التجربة اليابانية في المرحلة الجامعية: تتميز هذه بأنها هيئة أبحاث وليست هيئة تعليمية، فيتقدم إليها خريجو الثانوية بعد اجتياز اختبارات القبول للجامعة التي يريد الطالب الالتحاق بها وليس على أساس نتيجة الثانوية العامة كما هي الحال في الدول الأخرى.
وتقوم الجامعات بتطوير قدرات الطلاب التطبيقية والمعارف والتربية الأخلاقية، حيث يتلقى الطلاب المعارف المختلفة ويقومون بالأبحاث المتنوعة لأن الجامعة هيئة أبحاث وليست هيئة تعليمية فقط، ومدة الدراسة بالجامعة 4 سنوات ولكن كلاً من كليتي الطب وطب الأسنان لمدة 6 سنوات.