بعد انتشار التسريبات الأخيرة التي ووصفت بـ"ويكليكس العرب"، لا بد أن نعترف وبكل مرارة أن فعاليات الخامس والعشرين من يناير عام 2011، كانت أشبه بمولد كبير، شارك فيه أطهار وأشرار، وشهد مطالبات بتحسين الأوضاع، ولكنه شهد أيضًا ألعابًا واستعراضات قام بأدائها عملاء ومأجورون، كما شهد أيضًا اختراقات لمصر من أشقاء وأصدقاء وأعداء على حد سواء!
للأسف الأنقياء في ميادين الثورة كانوا بلا تأثير رغم كثرتهم، تحولوا إلى متفرجين ثم انزووا خارج المشهد تمامًا، بعد أن تجاهلهم الإعلام وقرر أن ينتقي نجومًا وثوارًا على المقاس والمزاج، واحتل محترفو السياسة مقدمة الصفوف فجاءت النتيجة النهائية كما تلاحظون.. مدعون من كل صنف ولون متمسحون بالثورة، ومئات بل آلاف من الصفقات والاتفاقات وعمليات بيع وشراء، ورغم تعدد واختلاف البائعين والمشترين، إلا أن مصر وكيانها وكرامتها كان الشيء المتفق على الإتجار به، بين جميع البائعين والمشترين، ولمزيد من الأسف كان كل البائعين رموز محسوبين على النخبة السياسية والإعلامية، وكل منهم كان يعتبرها فرصة العمر، للوجود على الساحة الإعلامية الذي قد يؤهله لمنصب أو جاه من جهة ولتحصيل أكبر قدر من الدولارات والدينارات والريالات من جانب آخر، وبلغ التدني من بعض أولئك إلى ابتكار أسلوب جديد في العمالة هو التبرع بتوصيل المطلوب إلى حيث يريد المشتري، سفارة أو شخص أو جهة أيًا ما كان !
يا سادة لا بد أن نعلم وأن ندرك أن التسريبات الأخيرة، وبما تحويه من وقائع مشينة، ليست التسريبات الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد تزامن مع فعاليات الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وجود ممثلين لما يقرب من خمسة عشر جهاز مخابرات إقليمي ودولي على أرض مصر، وللأسف فقد كانت العناصر المصرية هي التي اعتمدت عليها هذه الأجهزة في فهم ومعرفة ما يجري، وهناك العديد من قضايا التخابر والتجسس منها ما تم الإعلان عنه ومنها ما لم يتم إعلان تفاصيله، الحقيقة أن التخابر بين مصريين وجهات أجنبية وخارجية لم يكن قاصرًا على فترة أحداث الثورة، ولكن كان شاملًا فترة ما قبل 2011، وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد تابعنا التسريبات المنسوبة للسفارة الأمريكية وتضمنت وقائع مشينة تمس سياسيين وحقوقيين كُثر تواطأوا وتخابروا ضد بلدهم في سنوات حكم مبارك الأخيرة، بادعاءات وتبريرات فارغة من نوعية مناقشة مستقبل الحكم في مصر، وماذا بعد مبارك، و .. و .. عناوين ولافتات أخرى تحسب ضمن التبريرات الساذجة للعمالة !!
للأسف أجدني مضطرًا للخوض في "وحل " التسريبات، ليس بهدف إعادة نشر وقائع مشينة للإساءة إلى زيد أو عبيد، ولا بهدف ادعاء النزاهة والكمال، ولا بهدف الدعوة إلى مقاطعة الجهة الفلانية أو العلانية. ولكن أقرر أن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، هو التأكيد أن فشل ثورة الشعب في تحقيق أهدافها كان بسبب كل رموز النخبة، وأسجل إنني أتعمد التعميم هنا فمن لم يتعاطَ من رموز النخبة مع محاولات الشراء كان سلبيًا ووقف متفرجًا كالأطرش في الزفة، فقد أبرزت التسريبات الأخيرة وغيرها أن كل واحد من غالبية رموز النخبة لم يكن مهمومًا بالسعي مع غيره من باقي الرموز للأخذ بإيدي البلاد والعباد إلى الخطوة التالية الأكثر أمنًا واستقرارًا بعد أن أطاحت الموجة الثورية الأنقى بمبارك ونجله في يناير 2011، وكانت الأمور تقتضي المضي للخطوة التالية في تأكيد نجاح الثورة، وبناء وطن جديد بأسس سليمة، للأسف فقد أبرزت التسريبات والوقائع المؤكدة أن كل واحد من أولئك كان مهمومًا بذاته وبمشروعه الخاص وبتجارته، وكما رأينا ساد الإخوان المشهد بوصفهم الأكثر براجماتية وانتهازية وأنانية !
الهدف من استحضار هذه الحقائق ليس الدخول في جدل حول التسريبات وما احتوته من وقائع مشينة، فهذه الوقائع ليست مفاجئة بالنسبة لي، بل وأدرك باجتهادي الخاص وتوقعي الشخصي بدون ادعاء اطلاع أو اقتناء تسريبات أو مستمسكات، أن هناك وقائع يشيب لهولها الولدان ويندى لها الجبين، حتما ستعرف ويتم تسريبها ذات يوم !
إن أمة بلا نخبة اشبه بقطار يندفع بلا قاطرة، سيظل مصيرها معلق بالحظ الذي قد يتدخل ليوقف القطار بأمان وسلام، ولكن هذا الوضع ورغم خطورته الشديدة أفضل بكثير من تكون لدى أي أمة نخبة أغلبها عملاء ومأجورون وسلبيون !!!!