بعد حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، ووفاة 224 شخصاً فى حادثة ضخمة لم يفك ملابساتها حتى الآن، فما زال الوقت مبكراً على الحديث الشامل، لكن أحداث ما يقارب الأيام العشرة تشى بمشهد يلفت الانتباه بقوة، ويطرح السؤال عن ردود فعل الآخرين تجاهنا وتجاه الحادث نفسه، ولم يكن رصد ردود تلك الأفعال بالصعب، فخبر حادث الطائرة يحتل صدارة نشرات الأخبار العالمية كافة، وتسارع وتدافع الأحداث جعل تلك المحطات والمواقع الإخبارية تلهث وتُسهب فى التحليل والتكهن والتوقع بالشكل الذى أفصح عن ردود فعلها تفصيلياً وسهّلت لمن يريد الرصد أن يشاهد الجميع على حقيقتهم من دون أى رتوش، وقد قيل خلال تلك المدة الزمنية كل شىء تقريباً فنياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها، مما يمكن أن يُقال عن الحادث المأساوى الكبير، وغاب شىء وحيد، طرحته الولايات المتحدة قبلاً، بصيغة أكثر خشونة عندما تساءلت عقب حادث الحادى عشر من سبتمبر «لماذا يكرهوننا؟»، وقد كان سؤالاً مزلزلاً بطعم الإفاقة الذاتية، وإن لم يجيبوا عنه الإجابة الصحيحة حتى الآن، وها نحن نطرحه مصرياً اليوم، حيث وجدناه قد غاب فعلاً: «لماذا لم يتعاطف معنا الآخرون؟» ونحن فى الأساس ضحية حادث إنسانى كبير أو عمل إرهابى مروع أياً كان السيناريو الذى وقع على أرضنا. لم يتعاطفوا معنا بداية، لأن هؤلاء يريدون حصارنا بالفعل داخل أزماتنا، وإن كانت الصورة غير ذلك لتعاطفوا معنا، بداية عندما كان الإرهاب يضرب سيناء بكاملها، وكان الجيش والشرطة يخوضان ضده مجابهة شرسة سقط فيها مئات الشهداء، وارتكبت فيه من الإرهابيين مجازر ومذابح صريحة «مذبحة رفح الثانية»، ومع ذلك لم يلفت انتباهنا وقتها أن هناك تجاهلاً متعمّداً، بل فى كثير من المشاهد العالمية المعلنة إنكار كامل لتوصيف ما يحدث فى سيناء بكونه حرباً حقيقية ضد تهديد إرهابى، وكان هذا المشهد الممتد يحتاج إلى تعامل وصيغة معينة للرد والتوظيف الصحيح للأمر، لكننا انشغلنا بالمواجهة، وتجاهلنا الطرح الشيطانى الخارجى على أهمية مواجهته أيضاً بآليات كثيرة.
ولم يتعاطفوا معنا، لأننا قدّرنا وزن الخارج بأكبر من قدره فى مسألة الاعتراف بما قمنا به فى 30 يونيو، بل ارتضينا أن نختزل وزن مصر، وتلك الثورة العبقرية، فى مجرد مشاهد التنافس على احتلال أرصفة الغرب أثناء زيارات رئيس مصر ضد مجموعة من شراذم ومتآمرى الإخوان، والتنافس الهزلى على الصوت العالى فى الشوارع، ثم العودة والحديث المطول عن تاريخية الزيارات وفتوحات وانقلابات لم يحدث منها شىء جدى إلا أقل القليل، ولم يكن الأمر يحتاج سوى إلى تجاهل هذا العبث، ووضع خطط وتكليف شخصيات أكثر جدية واحترافية لاستمالة رأى عام عالمى بدا فى هذا التوقيت العالمى جاهزاً للتفاعل مع ما نريد طرحه، لكننا لم نطرح، ولم نقل، ولم نؤدِ، ولم نكن جادين بأى مستوى سوى فقط أداءات السيد الرئيس ووزير الخارجية حيث بدا كلاهما وحيداً والباقى جوقة نشاز مزعجة ضررها أكبر كثيراً من نفعها فى الخارج والداخل أيضاً!!
لم يتعاطفوا معنا لأننا بالأساس لم نتعاطف مع أنفسنا ولم نقدّر ما هو مطلوب منا جميعاً أن نفعله، وبدا المشهد سائلاً لا تستطيع الإمساك بملامحه، شريحة صغيرة من المجتمع لكنها تمتلك صوتاً عالياً يشاركها إعلام فاقد للرشد، يقطعون ملابس الوطن يومياً على قارعة الطريق، ضرب الله على أبصارهم وأسماعهم، فاحتل صراخهم الكريه المشهد بكامله، وبقيت الكتلة الأكبر والأصلب التى اعتصمت بوطنها، أكثر حيرة وأشد سيولة من المشهد نفسه، فهى لم تعلم حتى اللحظة ماذا تفعل وأين دورها الذى لم يطلبه منها أحد بشكل واضح تستطيع فهمه وترجمته، فبقيت قابضة على جمر وطنها ورئيسها حتى ورياح الشك تضرب فيها بقسوة، لجأت لفطرتها من دون تخطيط وأدركت أن وطنها فى خطر لكن غياب الفعل الحقيقى والدور قد يبدل تلك الفطرة بغتة ويحطم يقيناً لم يتزعزع حتى اللحظة، هذه الكتلة الصلبة هى الوحيدة التى تعاطفت معنا، فسجّلت لنفسها كالعادة أنها الطائفة الأولى بالرعاية والأقدر على حمل الأمانة، فقط تنتظر أن تسند إليها المهمة.