لماذا لم تستشر المملكة العربية السعودية من يُفترض عضويتهم بالتحالف الإسلامى العسكرى، بعد الإعلان عنه فى ساعة متأخرة من ليل الاثنين الماضى، حتى يمكن لهؤلاء الذين استمعوا لأسمائهم تُتلى فى نشرات الأخبار داخل قائمة الـ34 دولة الأعضاء أن يجيبوا بإجابات مقتضبة كما تنص الأعراف الدبلوماسية وكما تُكتب هكذا فى التقارير الصحفية، وتكون المملكة بهذا قد جنّبت نفسها والآخرين هذه المساحة من الحرج التى أصابت العديدين بعد بدء الإعلان من البعض أنه لا يعلم شيئاً عن هذا الأمر، ومنهم دول بعد ساعات تحت ضغط تساؤلات داخلية لديها اضطرت أن تعلن أنها لن تشارك فى هذا التحالف.
هنا فى مصر كان الحرج مزدوجاً ويقترب شيئاً ما من فعل الإساءة غير المقصودة ربما، ولكن الارتباك والتعجل فعلها، فالساعات القليلة التى كان يطير فيها خبر سعودى كهذا يُفترض فيه أن يحظى بتداول عالمى كثيف، كان ولى ولى العهد السعودى على مسافة أمتار من الأراضى المصرية ولقاءاته محددة مسبقاً مع الرئيس المصرى، ألم يكن أمراً بهذا الحجم يمكنه انتظار نوع من التشاور مع دولة بحجم مصر وبقدر عمق وتشابك علاقاتها بالسعودية وبالعنوان المشار إليه، فضلاً عن تنسيق وتشاور يصب فى صالح تماسك هذا التحالف المعلن عنه، هو يجيب أيضاً عن بعض من الأسئلة المفتوحة التى يفترض طرحها، بداية من هذا الاسم الملغم الذى يضع الإسلامى بجوار العسكرى، انتهاء بدلالات مقبولة لوجود البعض وغياب آخرين تحت هذا العنوان الجديد.
فالذى لم يستطع الرأى العام العربى كافة تجاوزه أنه من المعلوم لديه الدور السعودى فى قطع الطريق على القوة العربية المشتركة، التى قطعت الدول العربية شوطاً كبيراً فى الإعداد والترويج لها، لتصل مشاورات القادة العسكريين مرحلة تسبق الإعلان عنها بخطوة قبل دخولها غياهب التجميد بالفعل السعودى المعلن، هذا الرأى العام لم يستطع حل شفرة هذين المسارين بهذا التراتب الزمنى الذى لم يستغرق شهوراً، وأحيل مدفوعاً إلى الناحية الأخرى من المشهد فى أقصى غرب الشاشة ليستدعى الأطروحات الأمريكية التى سبقت الإعلان عن التحالف الإسلامى، فالعديد من الشخصيات النافذة الأمريكية تحدثت بالاسم عن قوات عسكرية سنية لدول كبيرة بالمنطقة يمكنها التدخل بسوريا لتفكيك معضلة الحرب على الإرهاب ونظام بشار.
لا أظن المملكة السعودية تخطط لأن تُدخل هذه القوات العسكرية وتُدخلنا معها هذا المستنقع الأخلاقى والعروبى تحت راية التحالف الجديد، ولا أعتقد أن القيادة المصرية تزن المشهد السورى بتلك الموازين الأمريكية، فالساحة العربية الآن أعقد كثيراً من تلك التحركات التى تجتزئ الخطر، وفوضى السلاح والتحالفات العاملة على الأراضى العربية فى سوريا والعراق هى التى صنعت الأخطاء العربية بداية، وبعدها جاءت قائمة الأطماع الإقليمية التى غذّتها بضراوة، ومصر تقف فى نفس خندق المملكة ودول الخليج مواجهة للتوغل الإيرانى، لكنها باليقين تدرك التماثل التام ما بين إيران وتركيا فى مساحة التآمر على أمننا العربى، مهما تزين الجانب التركى أمام الأشقاء بالعباءة السنية الكاذبة، فتلك تخريجته للتنافس مع مثيله الإيرانى، ومراهنة السعودية على معادلة «منافس عدوى من الممكن أن يكون حليفى» هى مراهنة فى غير موضعها، خاصة مع صراحة الأطماع التركية، ومع الدور الوظيفى الذى تقوم به أنقرة لصالح تحالف الناتو والولايات المتحدة بجرّ المنطقة العربية إلى بحر الألغام الممتد بلا نهاية.
الإعلان السعودى عن حزمة المساعدات الاقتصادية والاستثمارية فى توقيت زيارة الأمير محمد بن سلمان والذى جاء متوافقاً زمنياً مع الإعلان عن التحالف، أظنه تقابل زمنى سيئ الحظ، فقد دلل بإشارات وطرح من التساؤلات هو الآخر ما أظنه بعيداً كل البعد عن المرمى السعودى من تلك الخطوة، فالدعم السعودى فى أصله حاضر منذ ثورة يونيو بصورة مقدرة مصرياً ولم ينقطع، ومصر الرسمية أظنها تنظر إلى هذا الأمر من زاويته الاستراتيجية التى تصب فى الرصيد العربى الكلى، وليس وارداً لديها على الإطلاق، كما يبدو، أنها من هواة المغامرات أو الألغاز، ورؤيتها الكاشفة للمشهد جعلتها أقدر على تجنب السير فى حقول الألغام المميتة.