كانت هناك هذا الأسبوع والذى سبقه مباشرة، مجموعة من الأسئلة على مائدة النظام، وقد بحث -أو هكذا بدا- فى العديد منها للخروج بإجابات مرضية له وللرأى العام الساخن بطبعه، لكن ظل البعض منها أكثر تعقيداً من مجرد تناوله بإجابات سريعة سابقة التجهيز، وبقى ينتظر البحث والتفكيك للوصول إلى أفق إجابات أخرى تخرج به من هذه المنطقة الضيقة، ففى الوقت الذى كان الرئيس يدفع ناحية التوجه إلى إلقاء الضوء على ذخيرة المشروعات التى يسابق الزمن من أجل إنجازها، وهى المنطقة الرحبة الأثيرة لديه أن يكون قد استثمر الوقت بفاعلية فيما هو ملموس وعابر لتلك المناطق التى يكره «ونحن معه» أن نكون فيها، كانت الحكومة فى نفس هذا الوقت تبدو هائمة لا تدرك حجم المشكلات ولا طبيعة الأفكار التى يمكنها اللجوء إليها حلاً لتلك الأسئلة التى واجهتها.
السؤال الأول انطلق من وزارة الداخلية وللمرة العاشرة ربما من «أمناء الشرطة» وهم يمارسون تجاوزاً لا يليق مع مقتضيات الواجب الوظيفى بحق مجموعة من الأطباء، وكعادة تلك الأسئلة الشائكة تتحرك سريعاً ككرة الثلج لتجمع معها مجموعة من التداعيات التى شمل بعضها احتقاناً كبيراً فى نقابة الأطباء وأعضائها، والآخر معها وهو الأخطر سؤال الرأى العام عن السبب وراء الصمت الرسمى من وزارة الداخلية عن تجاوزات الأمناء المتكررة، وأصبح إحالة الوقائع إلى مصطلح «المخالفات الفردية» غير مقبول بالمرة فى حال حصر عدد الوقائع خلال الفترة الزمنية التى لا تتجاوز العام، ليصبح السؤال الذى ينتظر أفكار الإجابات هو ما العمل مع تلك الشريحة الوظيفية التى أصبحت عبئاً ثقيلاً وحقيقياً على الجهاز الأمنى ومن خلفه النظام السياسى؟
الأفكار ترد على هذا المأزق «وهو كذلك بالفعل» أنه يستوجب سريعاً إعادة النظر فى كافة التعديلات التى أعدت على عجل فيما بعد ثورة يناير 2011م، والتى كانت مرجعيتها تصحيحاً لوضع وظيفى وصف وقتها بالغبن، وإن كان للتوصيف بعض من الصحة، لكن التعديلات جاءت لتدمر السلوك الوظيفى لتلك الشريحة بالكامل، فقد انفلتت الضوابط النظامية بعد أن ساد لديهم إحساس القدرة على انتزاع المميزات بالابتزاز العددى وبقوة الانتشار داخل مفاصل الجهاز الأمنى، لذلك يستتبع تلك المراجعة وإمكانية تعديلها ضرورة وضع جدول زمنى لاستبدال مهام تلك الفئة تدريجياً، وفرض اشتراطات صارمة فى اللياقة البدنية والذهنية والسلوكية لضمان الاستمرار فى الوظيفة.
السؤال الثانى ربما لم يحظ بنفس التغطية الإعلامية التى أحرزها الأول لكنه تلامس مع قضية فى غاية الأهمية، فقد تواترت مجموعة أخبار عن قيام بعض من سائقى سيارات الأجرة بإعلان إضراب مؤقت عن العمل بسبب وجود شركة خاصة تزاحمهم داخل مساحة السوق الذى يعملون به، وقد بدأت تلك الشركة منذ عام تقريباً تقدم نفس خدمات سيارات الأجرة للمواطنين ولكن بآلية أحدث من خلال الهواتف الذكية، وقد أصبحت الشركة شركتين أو ثلاثاً تعمل بنفس الطريقة وحازت جميعاً رضا قطاع عريض من المستهلكين بجودة الخدمة المقدمة، فضلاً عن الترهل الكبير وزيادة الشكوى من أداء سيارات الأجرة المملوكة لأشخاص يديرونها كل وفق منظومته الخاصة التى فى أغلبها الأعم دون المستوى، شعور هؤلاء بخطر سحب البساط من تحت أقدامهم دفعهم لتطوير إضرابهم إلى مرحلة خطرة عندما قام البعض منهم بالاعتداء على سيارات الشركات المذكورة وسائقيها وتحطيمها فى تصرف غوغائى خطير.
الأفكار هنا تجيب عن تلك المعضلة التى تواجه المواطن على مدار الساعة وفى كل أنحاء الجمهورية المتمثلة فى استخدامه لوسيلة تنقل خاصة، بالشروع فوراً من قبل الحكومة بوقف تراخيص سيارات الأجرة التى أصبحت الشوارع جميعها تئن من عددها بشدة، فهذا إجراء بداية يصحح السوق ويدفع إلى نقل هذه الآلية من النقل الخاص الذى تكرر فشله إلى شكل مؤسسى منضبط يحول الموجودين بالفعل إلى الانضمام إلى شركات متخصصة، فلن تكون إدارة هذا المرفق الحيوى إلا من خلال منظومة لديها قواعد صارمة تحول السائق ومالك السيارة إلى موظف حقيقى داخل هذه الشركة، وتجربة الشركات التى أثارت الأزمة نجحت بامتياز فى زمن قياسى لأنها اتبعت ذلك وبتفصيلات قفزت على كافة عيوب النموذج السائد، وفى هذا المشروع الجديد جوانب إيجابية لا حصر لها منها حل لجزء من المشكلات المرورية الخانقة وجودة الخدمة ورضاء العميل وهو المواطن الذى سيحسب هذا التطور فى صالح تطوير الخدمة المقدمة له، فضلاً عن التحديث والتطوير الذى من المفترض أنه النهج الرئيسى لأى حكومة فى أى مكان لا تتباطأ فيه إنما تقتحمه وتبحث عنه لإحراز نجاحات تحسب لها فى مهمتها الشاملة الموكلة إليها.. وللأفكار بقية إن شاء الله.