بعد انتهاء الاستفتاء وإعلان النتيجة بالموافقة على الدستور، يجب على الجميع إدراك متطلبات هذه المرحلة. دستور جديد يؤسس لبناء مؤسسات الدولة بشكل سريع لننتقل إلى مرحلة الإدارة الشاملة لهذا الوطن من خلال هيئاته المنتخبة.
يعنى ببساطة نحن نرتب البيت من الداخل من أجل التصدى للمواجهات الحقيقية فى المستقبل القريب.
مصر مقبلة على أزمة اقتصادية كبيرة، وقد حذّرتُ من هذا الأمر منذ أسابيع، وقلت حينها إن عجز الموازنة بلغ ٢٠ ملياراً فى الربع الأول من العام المالى الجديد، وإن عجز الموازنة مرشح للتفاقم لكى يصل إلى ٢٠٠ مليار دولار بنهاية العام. وهذا يعنى أن هذا المستوى من العجز سيكون بالغ الأثر على الوضع العام داخل الوطن وسيؤدى إلى غلاء أسعار غير طبيعى ورفع الدعم الفورى عن الكثير من السلع.
لكى نفهم الأسباب وراء كل ما ذكرت، فيجب أن نعلم أن البنوك المصرية التى تقوم بسد العجز لا تستطيع تغطية ما يزيد على ١٦٠ مليار دولار، وهذا يعنى أن هناك ما يزيد على ٤٠ مليار دولار ستصبح مكشوفة تماماً، ولا يوجد لها غطاء نقدى. انعكاس هذا الأمر سيكون على محاور متعددة، مثلاً عدم قدرة الدولة على سداد مرتبات أو عدم قدرتها على شراء سلع أساسية أو توفير بنود محددة داخل الميزانية. إذن فنحن هنا نتحدث عن أزمة وطنية صريحة لا يختلف عليها أحد من أى اتجاه، وهى فى حقيقتها ستصل إلى كل مواطن يعيش فى هذا البلد. كل ما ذكرت ليس الهدف منه التهويل أو بث الرعب فى قلوب الناس، لكن المقصد الحقيقى هو معاينة واستشراف المستقبل عبر معايير موضوعية، لكى نسهم مع مَن حولنا داخل هذا الوطن فى وضع استراتيجية واضحة لتجاوز هذه الأزمة إلى آفاق أوسع وأرحب ينعم فيها المواطن المصرى بكرامته المصونة، ويتحقق له مستوى الرفاهة التى يستحقها.
من وجهة نظرى أن المرحلة القادمة تتطلب من كل القائمين على السياسة المصرية التركيز على الملف الاقتصادى. وأعنى هنا بكلامى جميع القوى الوطنية والثورية والحزبية، إسلامية وليبرالية واشتراكية، سلطة ومعارضة.. الجميع.
الاهتمام بالملف الاقتصادى يشمل ما يجب طرحه وما يلزم علينا اجتنابه. إذا انصبّت كل الجهود فى المرحلة المقبلة على طرح حلول حقيقية ومساندة صادقة للقائمين على الأمر للخروج من الأزمة سيصبح الجميع مشاركاً فى صناعة مستقبل هذا الوطن ولن يُحسب أى نجاح للسلطة فحسب، بل سيُحسب لجميع المشاركين فى الحياة السياسية فى هذه الآونة. المعارضة يجب عليها التوقف فوراً عن اختلاق أزمات داخلية يكون من شأنها صرف الأنظار والجهود عن لب المشكلة والهروب منها إلى عوارض أخرى ليس لها وزن فى ظل ما نعيشه الآن. الإعلام أيضاً له دور كبير فى هذا الإطار، فالانصراف عن تصفية الحسابات هو الأولى فى هذه المرحلة.
الخلاصة، الأزمة الاقتصادية المصرية سياسية بامتياز ويكمن حلها وتجاوزها فى الدفع بوضع سياسى مستقر فى أسرع وقت ولأطول فترة زمنية ممكنة، حينها فقط سنعبر هذا المنزلق الخطير وسيشعر المواطن المصرى البسيط بقيمة الثورة فى حياته وبيته وأسرته.. اقتصاد مصر سياسى لا مالى.