خلق الله تعالى الدنيا على التوازن المادى والمعنوى، فعلى المستوى المادى جعل الله الجبال أداة لإحداث التوازن على الكوكب الذى نعيش فيه، كما ورد فى قوله تعالى «وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم»، وقوله تعالى «..والجبال أوتادا..»، ونبه الله البشر إلى أهمية التوازن مع الآخر فى قوله: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفى حالة طغيان فريق من البشر على آخر، جعل الله «التدافع» سراً من أسرار العودة مجددا إلى حالة التوازن «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض».
يبدو أن جماعة الإخوان تعبر سريعاً على مجموعة الحقائق القرآنية السابقة، يدل على ذلك الكثير من شواهد الواقع. فقد أدارت الجماعة استفتاء 19 مارس 2011 كما تريد، وسيطرت على مجلس الشعب «المنحل»، ومجلس الشورى «الإسلامى»، والرئاسة، والحكومة، وأخيراً فرضت الدستور الإخوانى الخاص بها. اللعبة بهذه الطريقة ليست لعبة توازن، بل هى لعبة ضلال، بالطبع فحين تزعم أن الجميع راض عنك وعن أدائك، أو أن الأغلبية العظمى كذلك فأنت ضال مضل، أو فى أقل تقدير أنت مجرد «دجال» تصانع الناس بالأكاذيب. فتجربة البشر تشهد أن الأنبياء لم يؤمن بهم إلا الآحاد من قومهم، وكذبهم الكثيرون، بل ضلوا بمجرد اختفاء أنبيائهم، عندما ظهر فيهم الأفاقون والدجالون. هكذا كفر بنو إسرائيل بشريعة موسى وعبدوا العجل عندما أضلهم السامرى، لحظة أن تعجل موسى لميقات ربه، وهكذا فعل من آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) من قبائل العرب، بعد وفاته، حينما تحلقوا حول «مسيلمة الكذاب» و«سجاح»!
التوازن يعنى القبول بفكرة «التعادلية» فى دنيا البشر. وقد قاوم الإخوان والسلفيون بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة أن يتعادلوا مع خصومهم من القوى الليبرالية والمدنية، وآثروا الاستفراد بالمشهد بزعم أن الأغلبية معهم. هذا الوضع لن يستمر، فإذا أخفقت تلك القوى فى إحداث التوازن مع الإخوان، فسوف يفعلها السلفيون، وينشقون عن الصف، ليبدأوا فى اللعب بمفردهم، ويخيل لى أن الجماعات السلفية هى المرشحة لمواجهة الإخوان، حال إصابة القوى الليبرالية والمدنية بالضمور. وقد يشهد المستقبل خطوة للم الشمل السلفى تحت راية واحدة، قد تكون راية الشيخ «حازم أبوإسماعيل»، وهناك مؤشرات كثيرة فى الواقع تدق جرس إنذار للجماعة عن القوة السلفية التى سوف تخاصمها فى القريب العاجل. وأتصور أن الجماعة لن تفلح هذه المرة فى السيطرة على المشهد بألعابها القديمة التى كانت تحتال بها على المدنيين، فخصمها معها فى نفس الملعب: «المتاجرة بالدين»، وقد يكون أكثر مهارة منها فى هذا السياق.. وقد قيل فى فيلم «عسل أسود»: «مصر أوضة وصالة»!