معركة منصب المفتى من أخطر المعارك التى يخطط لها الإخوان بحرفية عالية لاستكمال مخطط التمكين وابتلاع الوطن وهضمه فى معدتهم، ثم امتصاصه فى أمعائهم فيفقد هويته وطعمه وشكله وتاريخه وسمته، الرئيس فى الواجهة لصب جام الغضب وامتصاص الصدمات، أما خطة الشاطر التى تسير على قدم وساق فى طريقها غير مبالية بالمليونيات أو بالمظاهرات أو الاحتجاجات أو التوك شوهات فهى التى تتم فى المقطم لا فى الاتحادية.
البداية كانت برلمان التشريع، والنهاية هى المفتى لإحكام مشنقة القانون الإخوانى حول الرقاب، الإخوان لن يحتاجوا فى الوقت الراهن لشرطة أمر بمعروف ونهى عن منكر لأن ثلاثى البرلمان والنائب العام والمفتى فيه الكفاية، ولكن ما أهمية قتال الإخوان على منصب المفتى؟ من الواضح أن تشنجات وتقلصات المعارضة ومشاغبات الثوار وجرأة الشباب وجسارتهم التى يعتبرها الإخوان قلة أدب وبجاحة، كل هذا ما زال يشكل شوكة فى حلق الإخوان تمنعهم من البلع والمضغ بحرية، وتلفيق تهم تكدير الأمن العام وتخريب المنشآت وازدراء الرئيس.. إلخ، صارت موضة قديمة وأسطوانة مشروخة لا تساعد على الإمساك برقابهم وخنقهم بسهولة، إذن ليس أمام الإخوان إلا تلفيق التهم الدينية وما أفضلها وما أخطرها وما أسهلها وما أجملها كمشنقة شديدة الأحكام حول العنق قوية الصدى والفاعلية على أمخاخ المصريين الذين من الممكن أن يصفحوا عن أى جريمة إلا الجريمة التى سيفبركها الإخوان تحت اسم ازدراء الدين والخروج على ولى الأمر وسب أولياء الله الصالحين والإفساد فى الأرض الذى يستحق حد الحرابة.. إلخ، وهذا بالطبع يحتاج ختم المفتى ومباركة المفتى وتحليل المفتى وتبرير المفتى ومن هنا نفهم لماذا هذا الاقتتال على منصب المفتى ومقاومة التجديد للدكتور على جمعة.
منصب المفتى فى مصر وتحت هذه الظروف يحتاج إلى يقظة حتى لا يتم تمرير مفتى ملاكى يحلل ويحرم حسب هوى الحاكم، ويمرر ويبرر تبعاً لرغبة الجماعة، والحل من وجهة نظرى هو فى نصيحة ورأى واتجاه ونظرية د.سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بأن ينحصر دور المفتى فى عرض الآراء الفقهية المختلفة على المواطن وترك المواطن يختار بعقله وحريته وإرادته وعدم تحويل منصب المفتى إلى مؤامرة مصادرة لحرية الفكر والاعتقاد وشل قدرات العقل النقدى الإنسانى وسن قانون التعامل مع المواطن على أنه قاصر يحتاج الوصاية، هذا هو الحل العاقل الحصيف الذى يحترم التجديد والاجتهاد ويفتح آفاق التفكير والتحليق والتقدم، ويتعامل مع الفقه كجهد إنسانى وليس كنص مقدس موازٍ للنص المقدس الأصلى، لا نريد للمفتى أن يحنط الفقه بفورمالين الجماعة ولا أن يفصل الفتاوى بباترون الجماعة لكننا نريده مجرد مرشد بالمعنى الأصلى لا الإخوانجى، يرشدنا لبداية مفرق الطرق وعلينا نحن أن نكمل المشوار، لا نريد منه أن يوصلنا إلى الحجرة والسرير ويكلبشنا فيه ويغطينا ويكممنا، هذا مرفوض وسنقاومه؛ لأنه بهذا السلوك وهذه الفلسفة لن يكون مفتياً للبلاد، بل سيكون مفنياً للبلاد والعباد.