بعد 9 شهور من مجىء الدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية وبعد 8 أشهر من تكليف كادر إخوانى من الخلايا النائمة برئاسة مجلس الوزراء، وبعد متابعة دقيقة لأحوال الجهاز التنفيذى للدولة، أستطيع الآن أن أؤكد وبضمير مستريح أن هناك مشروعاً آخر للإخوان، هو حجر الأساس والهيكل الخرسانى الأساسى فى بناء وتوسعة التنظيم على حساب الدولة وإثراء وتمكين الجماعة على حساب الوطن.
والمشروع الذى أقصده هو الدأب الجنونى الفاضح فى إنهاك الطبقة المتوسطة وإضعافها بكل الوسائل واستخدام أبشع الأساليب فى إرهاقها لدفعها مع الوقت خارج دائرة الفعل السياسى وإرغامها على الخضوع الكامل لقدرها، دون أدنى أمل أو طموح فى تغيير وضعها، أو حتى الاحتجاج على المصير الذى آلت إليه.
لقد تعرض الجهاز التنفيذى للدولة لهجوم إخوانى كاسح فى أقل من ثمانية شهور، وهو هجوم أذهل الجميع وقد ظننا فى البدء أن ما حدث على يد الإخوان من إهدار استقلال الجهاز التنفيذى هو مجرد شهوة دنيئة من فصيل سياسى عانى طويلاً من الاستبعاد عن تولى مناصب قيادية تنفيذية وبعد قليل من المتابعة، اتضح لى أن الأمر ليس مجرد دناءة عشوائية، ولكنه مخطط إجرامى مدروس لتطهير مصر كلها من آثار الحالة الثورية التى ألمت بها بعد 25 يناير 2011 وهو الأمر الذى لا يمكن إنجازه إلا بسيطرة الإخوان على مفاصل الجهاز التنفيذى للدولة ليس لمجرد السيطرة ولكن لتمكين الإخوان من تنفيذ مشروع إنهاك الطبقة المتوسطة بوصفه الحل الناجع لتجفيف منابع المقاومة والاحتجاج واقتلاع كل آمال التغيير من جذورها.
والذى حدث وبدأب لا يعرف الرحمة، أن حكومة هشام قنديل حرصت منذ اللحظة الأولى على رفع أسعار الخدمات ودون إعلان، فقد فوجئنا جميعاً بارتفاع أسعار الكهرباء 100٪ دفعة واحدة، وارتفاع أسعار الغاز المنزلى 150٪ وارتفاع أسعار المياه 100٪، ثم انفجرت أسعار السلع الغذائية والمنزلية والإلكترونيات والسيارات وقطع غيار السيارات والزيوت والأدوات الكهربائية، إلى آخر كل ما يحتاجه أى إنسان ينتمى إلى الطبقة المتوسطة، وفى ظل هذا الغلاء الفاحش والمتعمد من الإخوان، أصدر رئيس الوزراء قراراً بزيادة الرسوم الجمركية على كل السلع المستوردة ولجأت المحليات والأجهزة التنفيذية للدولة إلى مضاعفة رسوم المعاملات، حتى وصل الأمر إلى مضاعفة رسم نقل ملكية عقار أو أرض من مواطن إلى آخر دون أدنى مبرر.
وفى الوقت الذى ظهرت فيه أعراض الإنهاك الاقتصادى على كل شرائح الطبقة المتوسطة، يستطيع أى مواطن فى أى قرية أو مدينة مصرية أن يلحظ وبسهولة شديدة الثراء المفاجئ الذى ظهر على كوادر الإخوان والتوسعات المريبة التى طرأت على مشروعاتهم التى كانت متناهية الصغر، ولا تكاد توجد قرية أو نجع أو كفر، إلا وينفرد فيها الأهل والعشيرة بتجارة الحبوب والسولار والدولار ومستلزمات الإنتاج الزراعى والأدوية البيطرية ويعرف الجميع الآن أن هؤلاء التجار الجدد يبيعون كل شىء بأكثر من ضعف الثمن الذى كان عليه قبل استيلائهم على السلطة.
الأمر ذاته، تكرر فى كل المدارس الخاصة التى سمح لها وزير التربية والتعليم الإخوانى بزيادة الرسوم والمصروفات فى وقت تعانى فيه الطبقة المتوسطة من انخفاض الدخل ويتعرض أبناؤها لفقدان وظائفهم وشهدت سوق التعليم الموازية زيادة مقابل الدروس الخصوصية وارتفاع أسعار الكتب الخارجية وكل مستلزمات التعليم ولم يفعل الوزير الإخوانى شيئاً واحداً لوقف هذا السعار، بل إن إنجازه الوحيد حتى الآن فى الوزارة يتلخص فى منح كعكة طبع الكتب المدرسية للمطابع التى يملكها الإخوان.
هذا الإنهاك الاقتصادى للطبقة المتوسطة ليس عملاً عشوائياً يعود إلى انعدام كفاءة الإخوان فى الإدارة أو الحكم، ولكنه عمل مقصود يعكس خبرة لئيمة فى الإدارة السوداء لاقتصاديات دولة، يمثل إضعاف طبقتها المتوسطة أهم عوامل استمرار الإخوان فى الحكم وتمكينهم من بناء وتوسعة مشروعهم الخاص العابر للأوطان.
إن اللهات اليومى خلف لقمة عيش لا تتوافر إلا بشق الأنفس، هو المشروع الأكثر ضماناً لإنهاك الطبقة المتوسطة وتبديد طاقتها تماماً فى طوابير السولار والبنزين والخبز وتدبير نفقات الدروس الخصوصية ومصاريف المدارس الخاصة وملاحقة انفجار الأسعار بالعمل المتواصل ليلاً ونهاراً حتى لا يتبقى لديها رمق تصرفه فى ميادين الاحتجاج ضد الإخوان، وحتى تتجرد تماماً من الضمير الإنسانى الذى يدفعها دائماً إلى الطموح فى التغيير إلى الأفضل.