هذه واقعة حقيقية حدثت قبل أكثر من عشر سنوات، حين عملت فى مجال الترجمة الفورية للعربية والألمانية. فقد طلبتنى مرة مديرة إحدى المدارس الابتدائية فى فيينا. ذهبت. بدأ هناك اجتماع عاجل مع المديرة وبعض المدرسات. سألتنى بكل أدب وبشىء من الحرج أن أترجم لوالد طفل مصرى؛ إن كان من الممكن أن يأتى هو مستقبلاً لاجتماعات أولياء الأمور بدلاً من الأم، فقبل أيام حين وصلت الأم المصرية للمدرسة لاجتماع أولياء الأمور، فزع التلاميذ الصغار من شكلها، واشتكى أولياء الأمور بسبب انزعاج أطفالهم بل معاناة بعضهم من كوابيس، اعتقد الصغار أنها شبح حقيقى. كانت الأم ترتدى سواداً لا يظهر منه لا يد ولا وجه ولا ملامح. قالت المديرة: «لم نعرفها، ولم يظهر منها سوى صوت فقط ولا تجيد الألمانية، ولم نحب أن نطالبها بعدم الحضور صراحة، فقد نؤذى مشاعرها، فكرنا أن أفضل الحلول هو التواصل عبر الترجمة، على أن يحضر الوالد الاجتماعات مستقبلاً بدلاً من الأم».
? لن أناقش هنا جدلية الحرية والملابس وأوروبا والشرق والغرب، فكل شخص له الحق فى أن يرتدى ما يرغب، وليس من حق أحد أن يذمه أو يقلل من شأنه، لكن الحرية تشترط أيضاً عدم المبالغة، وأن يُلبس الزى المناسب فى المكان المناسب، فالمغالاة هى أن أنزل ببذلة وكرافتة فى حمام السباحة أو أن أدخل الجامعة بالمايوه.
العين تستغرب دائماً حين يخرج الزى عن المألوف فى المكان الخطأ، وإنى لأشفق هنا فى أوروبا كثيراً على المرأة المنتقبة السائرة غريبة مستغربة تجتذب العيون والتساؤل، وغالباً الاستنكار.
? كم تعانى المرأة العربية من تسمياتها العجيبة: متبرجة، منقبة، متنقبة أو منتقبة، سافرة، محجبة، عارية! بينما يلبس الرجل كيفما شاء، تسير زوجته فى الشارع خلفه ملفوفة فى سواد وهو يرتدى «تى شيرت» و«جينز»، يختال بعصريته الواضحة ونقاب زوجته الصارخ!
مشكلة تفكير الرجل عن المرأة كجسد ثائر سائر وحلها بالنقاب، هى وجه آخر لمشكلة المرأة المنتقبة فى أوروبا كجسد سائر بلا ملامح.
العفة يجب أن تكون داخل عقل الرجل وليس على رأس المرأة!