الرئاسة: السياسة الخارجية لابد أن ترتبط بمفهوم الأمن القومي الإنساني الذي يتخطى الحدود الجغرافية
قالت رئاسة الجمهورية إن التوجه العام الذي تتحرك في إطاره السياسة الخارجية لمصر ما بعد الثورة يتمثل في المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار والنمو الداخلي، والمشاركة الإيجابية في بناء واقع جديد للمنطقة والنظام الدولي، يؤدي إلى عالم أكثر سلاما وحرية وعدالة، مستندا إلى منظومة القيم والمبادئ المصرية الأصيلة.
وذكرت الرئاسة، في مقال أعدته إدارة العلاقات الخارجية، إن تعريف الرؤية الكلية الجديدة للسياسة الخارجية المصرية يتطلب تحديد الصورة التي تطمح في تحقيقها خلال العشرين عاما القادمة والتي تتضح في هذا الطرح من خلال أبعاد ثلاثة أساسية لوضع مصر على الساحة الدولية.
وعددت المقالة الأبعاد الثلاثة، وهي أن تكون مصر أولا دولة صاحبة ريادة إقليمية ومكانة عالمية، من خلال عدة أبعاد تتمثل أولا في استعادة مصر لدورها الفاعل ومكانتها المتميزة في جوارها العربي والإفريقي والإسلامي بعد أن انحسر هذا الدور وخسر الكثير من مكتسباته التاريخية لتعود مصر مركز الثقل الأساسي في منطقة الشرق الأوسط والبوابة الحقيقية لإفريقيا وأحد الدول الأكثر قوة ومصداقية في العالم الإسلامي، وهو ما سيجعل مصر مرشحة للقيام بدور أكثر تأثيرا على الساحة الدولية في اتجاه التغيير العالمي الذي تنشده.
أما البعد الثاني فهو تحول مصر لدولة متقدمة صناعيا واقتصاديا، وهو ما يتطلب وضع الخطط المفصلة للنهوض بكافة روافد الاقتصاد الوطني الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية والمعرفية. ويتمثل ثالث هذه الأبعاد في تفعيل أطر التعاون التي تعد مصر جزءا منها بحيث تصبح قنوات عمل حقيقية تخدم مصالح جميع الأعضاء وتقوي بعضها البعض، إضافة إلى تكوين أطر وتكتلات جديدة إذا دعت الحاجة إليها. وأخيرا يأتي سعي مصر للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وذلك ضمن رؤية شاملة لضرورة تغيير النظام العالمي الحالي وإصلاح مؤسساته.
أما ثاني مكونات هذه الرؤية هي أن تكون مصر دولة صاحبة نموذج حضاري متميز وهو ما يعني أن تبرز مصر المشروع الحضاري الإسلامي الوسطي الذي تطرحه في علاقاتها الخارجية وتبني عليه كإطار مرجعي يحوي القيم والمبادىء العليا للرؤية المصرية الجديدة وتقدم من خلاله نموذجا جديدا للحركة الخارجية المرتكزة على منظور قيمي بما يجعل الدولة المصرية تتحول مع الوقت إلى مركز إشعاع حضاري متميز فى عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب المرتبطة بمراكز حضارية مختلفة خاصة في دول الشرق والجنوب، كما يعني أن تعلي مصر أهداف ومنطلقات الثورة والمنظومة القيمية المرتبطة بها والتي شهد العالم كله لها، لتعطي النموذج السلمي الشعبي للتغيير الكلي الذي تميزت به الثورة المصرية.
أما الركن الثالث من الرؤية فهو أن تكون مصر دولة تجعل تمكين المواطن المصري هدفا أساسيا لها بما يعني يتضمن تمكين المواطن زيادة البدائل والفرص المتاحة أمام المواطن المصري وبناء كافة سياسات العمل الداخلي والخارجي بما يخدم أهدافه وتطلعاته ويوفر له المحيط الملائم والمحفز لقيامه بدور فاعل في بناء ذاته ودولته ومجتمعه ويحفظه من كافة المخاطر الحياتية التي تهدد قدرته على القيام بدوره الطبيعي في دولته بما في ذلك من حقوق وواجبات.كما يشمل احتضان المصريين في الخارج وتفعيل طاقاتهم و إيجاد قنوات اتصال مفتوحة لتحافظ على هويتهم وانتماءهم وقدرتهم على خدمة وطنهم كباقي المواطنين المقيمين على أرضه. ويتطلب ذلك كله أن تكون السياسة الخارجية المصرية منطلقة ومدعومة من إرادة شعبية جامعة حقيقية.
وأضاف المقال "يحتاج ذلك التوجه إلى ربط السياسة الخارجية بمفهوم الأمن القومي الإنساني وإعادة تعريف مفهوم الأمن القومي ليتخطى الحدود الجغرافية إلى الإنسان ذاته الذي يمثل محور وجوهر المشروع الحضاري في الأساس ويصبح أمن الإنسان قيمة عليا تخدمها أبعاد الأمن التقليدية بما لا يتعارض مع قواعد احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ويعني ذلك تأصيل الشروط التي تحقق ديمومة الحفاظ على عناصر الأمن المرتبطة بكافة جوانب حياة الإنسان من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية بما في ذلك الحقوق المادية والمعنوية وتعظيم موارد وعوائد هذا الأمن وحفظ الأبنية والمؤسسات اللازمة سعيا إلى تحقيق منظومة متكاملة لحقوق الإنسان تتسق مع الخصوصية الثقافية للمصريين وتضمن لهم الحياة الكريمة داخل مصر وخارجها.
وانتهى المقال بالتأكيد على أن صياغة الرؤية الكلية للسياسة الخارجية الجديدة لمصر تتطلب رصد أهم عناصر القوة التي تمتلكها مصر والفرص الخارجية المتاحة لها وكذلك الوقوف عناصر الضعف التي تعيقها والتهديدات الخارجية المحتملة ودراستها بطريقة منظومية متكاملة، بهدف تحديد المساحة الحقيقية التى تستطيع السياسة الخارجية المصرية التحرك فيها، وتفعيل عناصر القوة الساكنة.