باقتراب محمد مرسى من الرئاسة وبالإعلان الدستورى المكمل الذى ركز السلطات فى يد المجلس العسكرى دخلت مصر فى حلقة جديدة من صراع القوتين المسيطرتين على السياسة منذ ١٩٥٤، الجيش وجماعة الإخوان. والأرجح أن ساحات الصراع ستمتد من الرئاسة وصلاحياتها والدستور والجمعية التأسيسية إلى أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية والحراك العلنى فى الشارع. والأرجح أيضاً أن الطرفين إن استمرا على السلوك السياسى السلطوى الذى ميزهما منذ ١١ فبراير ٢٠١١ ولم يغيرا منه سيحملان مصر وفرص التحول الديمقراطى وتسليم السلطة للمدنيين، الذى لن يحدث فى يوليو ٢٠١٢، فاتورة باهظة التكلفة.
وأعنى بالسلوك السلطوى للعسكر والإخوان نزوعهما للهيمنة على الدولة والسياسة وإلغاء الطرف الآخر، مع اختلاف الأدوات بالطبع. فالمجلس العسكرى، وبعد مواءمة سياسية استمرت لفترة مع «الجماعة» وبدأت فى الانهيار بعد الانتخابات البرلمانية، جرد بالإعلان الدستورى المكمل الرئيس الإخوانى القادم من الصلاحيات الحقيقية وحال بينه وبين اتخاذ قرارات سيادية وجعله فى وضعية رئيس وزراء يسمى الوزراء والمحافظين وله بعض السلطات التنفيذية. وبدلاً من النص فى الإعلان الدستورى المكمل على تشكيل مجلس مدنى عسكرى يضطلع بالاختصاص التشريعى فى المرحلة الانتقالية ٢ بعد حل مجلس الشعب، احتفظ العسكرى لنفسه بهذا الاختصاص الذى لم يكن بالقطع مقبولاً تحميله على المحكمة الدستورية العليا أو منحه للرئيس المنتخب.
أما جماعة الإخوان فرتب نزوعها للهيمنة والاستئثار بعد الثورة سلوكا سلطويا أغضب وأبعد الكثيرين من حلفائها السابقين فى الجماعة الوطنية المصرية. غيرت «الجماعة» مواقفها بشأن الترشح لانتخابات مجلسى الشعب والشورى وتخلت عن الالتزام ذاتياً بوضع سقف أعلى للمقاعد المراد الحصول عليها، وغيرت «الجماعة» أيضاً من موقفها بشأن الانتخابات الرئاسية ودفعت بمرشح على عكس وعود سابقة قطعتها، وسعت للتغلغل بأجهزة الدولة التنفيذية والإدارية، وتسببت فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور مرتين على نحو صادم وبعيد عن التوافق الوطنى.
وبعد أن انتهى زمن المواءمة السياسية بينها وبين «العسكرى» الذى ابتعدت بسببه عن الميادين وهجرت من أجله خطاب الثورة والتغيير، عادت «الجماعة» قبل الانتخابات الرئاسية وخلالها للميادين محاولة احتكارها وتوظيفها وخطاب الثورة لمصالحها، هنا يقف الكثير من القوى الوطنية وعن حق موقفاً متشككاً فى الإخوان وأهدافهم ويخشى من أن يتحول لجزء فى الصراع بينهم وبين العسكر. لا يملك وطنى مؤمن بالديمقراطية إلا أن يرفض الإعلان الدستورى المكمل والمرحلة الانتقالية ٢ التى دشنها بسلطوية واضحة، إلا أن رفض هيمنة الإخوان أيضاً واجب.
والطرفان، العسكر والإخوان، لا حلفاء حقيقيين لهما فى السياسة المصرية وذلك حصاد فعلهما خلال الفترة الماضية. فليس فى مقدور المجلس العسكرى أن يستبدل توافقاً مع القوى الوطنية والشخصيات العامة المستقلة باعتماد على أطراف وشخصيات دوماً ما وصفوا بأنهم «رجالة العسكر». وليس باستطاعة الإخوان أن يعوضوا ابتعاد الكثير من أطراف الجماعة الوطنية عنهم باتهامات لهؤلاء بتحالف سرى مع العسكر أبداً لم يحدث أو باستدعاء ديكور من التنوع الوهمى والواهى معولين على كيانات ضعيفة.
على الرغم من هذا الصراع الحاد والمستعر بين العسكر والإخوان وسلوكهما السلطوى وابتعاد الكثيرين فى الجماعة الوطنية عنهما، ثمة فرص فى مصر لإدارة الصراع بصورة أخرى وبضمانات أساسية تقلل من خطره على التحول الديمقراطى.