تتابع الغالبية الساحقة من أقباط المهجر الأحداث والتطورات فى مصر باستمرار، قلوبهم معلقة بالوطن الأم، يعشقون بلدهم من كل جوارحهم، مصر بالنسبة لهم هى الأرض المباركة، لا توجد قطعة أرض أخرى أكثر قداسة بالنسبة لهم من أرض مصر. تفاعلوا مع ثورة الخامس والعشرين من يناير وتطلعوا إلى فجر جديد فى بلدهم ينهض على أسس من المواطنة والمساواة، وقفوا بكل قوة فى مواجهة الجماعات المتشددة والمتطرفة، لم يُحمّلوا مصر مسئولية الاعتداءات الطائفية التى تعرض لها الأقباط بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، تلك الاعتداءات التى وقعت بترتيب من قبَل رموز التيار السلفى وعناصر متطرفة وفدت على البلاد من كل حدب وصوب، لا سيما فى سنة حكم المرشد والجماعة. تابعوا الأحداث والتطورات التى مرت بها البلاد فى زمن حكم المرشد والجماعة، باركوا من اللحظة الأولى ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، خرجوا فى مسيرات لتأييد الثورة ومساندة التحركات التالية، استقبلوا الرئيس عبدالفتاح السيسى بمظاهرات حافلة داعمة ومؤيدة فى المرات الثلاث التى شارك فيها فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. لم يتحركوا ضد الدولة حتى مع توالى الأخبار بوقوع اعتداءات طائفية على الأقباط والكنائس، لم يُحملوا الدولة مسئولية تفجير الكنيسة البطرسية واعتبروا ذلك عملاً إرهابياً موجهاً ضد مصر والمصريين، لم يتفاعلوا بقوة مع أحداث طائفية فردية كانت تثير غضبهم فى السابق مثل الاعتداء على مواطنين أقباط من قبَل عناصر سلفية متطرفة، فقد قدموا دعم الدولة المصرية على ما عداها من اعتبارات دينية أو طائفية.
ما حدث مؤخراً هو زيادة وتيرة الاعتداءات الطائفية ونشاط العناصر السلفية فى مواجهة الأقباط والكنائس، لا سيما فى صعيد مصر، وتحديداً فى محافظة المنيا، وفى نفس التوقيت جاءت عمليات استهداف الأقباط من قبَل عناصر أنصار بيت المقدس الإرهابية فى مدينة العريش بشمال سيناء، وقتل ستة مواطنين أقباط فى شهر فبراير الماضى، وفرار غالبية أقباط العريش باتجاه مدن القناة والدلتا، وعدم مبادرة الدولة بتنظيم هذه العملية والتفاعل معها بشكل جيد من البداية، ومحاولة التعامل مع الملف باعتباره ملفاً دينياً يجرى التنسيق بشأنه مع كنيسة، كل ذلك بدأ يُحدث قدراً من التململ داخل صفوف أقباط المهجر، وسرعان ما نشط «نشطاء» أقباط المهجر للعودة إلى الأضواء مجدداً، فهم يعتبرون أنفسهم قادة الأقباط عموماً ونخبتهم المدنية التى تتحرك باستمرار للدفاع عنهم فى مواجهة الاعتداءات التى تقع من أطراف مختلفة ويوجهون النقد والاتهام للدولة المصرية. هؤلاء النشطاء استغلوا تهميش النخبة القبطية المدنية فى الداخل فى عهد البابا شنودة الثالث ومارسوا هذا الدور من الخارج، يرتفع صوتهم وينشطون كلما وقعت الاعتداءات وتصاعدت المشاكل وارتفعت حدة التوتر الدينى والطائفى داخل مصر، باتوا نجوماً فى مجتمعاتهم وفى عيون بسطاء الأقباط، ولهثت وراء إرضائهم مؤسسات الدولة المصرية، وهو الأمر الذى تغير تماماً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بل وقبلها بقليل عندما بدأ شباب الأقباط فى الخروج إلى الشارع والتوجه إلى مؤسسات الدولة احتجاجاً على ما يقع من اعتداءات ورفضاً للمعادلة التقليدية القائمة على إدارة الملف ما بين الكنيسة والدولة. برز دور النخبة المدنية القبطية فى الداخل، ونشط الشباب القبطى فى العمل على أرضية وطنية لا طائفية، خرج إلى الشارع للتعبير عن مطالبه بعد أن كان يتظاهر داخل أسوار الكنائس، فتلاشى دور نشطاء أقباط المهجر واختفى تماماً، واليوم يحاول العودة إلى المشهد من جديد من باب «تعرُّض الأقباط للاعتداءات واستمرار سياسات التمييز ضدهم من قبَل الدولة المصرية»، ومن ثم يستعد البعض منهم لتنظيم تظاهرات ضد الرئيس خلال زيارته المقبلة لواشنطن، وهو أمر يقتضى التحرك المسبق من أجل معالجة كافة القضايا على أرضية وطنية خالصة، والإيمان بأن هناك مشاكل حقيقية تجرح قيمة المواطنة وأن حلها يجرى على أرضية وطنية خالصة ومن خلال الدولة المصرية فقط.