مسجد بالشرقية يزعم خادمه ظهور صور للأنبياء على جدرانه الرخامية!. شاهدت تقريراً حول هذا الموضوع يقف فيه خادم المسجد أمام حوائط رخامية، ليوضح صاحب كل صورة، مشيراً إلى العيون والرموش والشوارب والذقون. هناك بالطبع من هو مقتنع بهذا اللغو، وهناك من هاجمه واتهم المروجين له بالجهل ونشر الخرافة والاتجار بالدين من أجل جمع التبرعات بالضحك على السذج. المسألة من وجهة نظرى نفسية بحتة، ففى ظروف «العجز» دائماً ما يبحث الإنسان عن «معجزة»، وكأن العلاقة ما بين مفردتى «العجز والمعجزة» من المتانة بمكان!. من عاصر الفترة التى عاشها المصريون بعد نكسة 1967 ربما يذكر ما كان يتداوله المصريون حينذاك من كلام عن تجلى العذراء، ومجىء السيدة زينب، رضى الله عنها، للزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى المنام، وطلبها منه أن يكسو ضريحها بكسوة سوداء حزناً على اغتصاب الصهاينة لسيناء، لم يخل الشارع المصرى حينذاك أيضاً من أحاديث لا تنقطع عن النعوش الطائرة، والنعش الذى أجبر حامليه على تعديل وجهته ليدفن فى مكان معين، وتواصل هذا النمط من الخطاب حتى حرب أكتوبر عام 1973، وخلالها انتشر بين المصريين حكاية تقول إن الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الجامع الأزهر، ذهب إلى «السادات» وحكى له رؤيا، ذكر له فيها أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس مع رهط من الملائكة، وأن هذه الرؤيا إشارة بالبدء فى العمليات القتالية، مع وعد نبوى بالانتصار.
ما ذكرته لك بعض حكايات، مما كنا نسمعه ونحن أطفال خلال هذه الفترة، كان يعبّر بها الكبار عن المحنة التى عاشوها بعد نكسة 67. وهى حكايات لا تختلف كثيراً عما نسمعه هذه الأيام عن الأنبياء الذين يتجلون فى صور، ومعهم بعض أئمة الشيعة (على بن أبى طالب، والحسين، رضى الله عنهما). وهى ملاحظة تستحق من متابعى حدوتة مسجد الشرقية بعض التأمل، لأن خادم المسجد لم يذكر تجلى أى من الثلاثة الكبار (أبوبكر وعمر وعثمان، رضى الله عنهم) فى صور!. عموماً ليس هذا موضوعنا، لكن يبقى أن هذه الحكاية وما يشبهها من الحكايات التى نسمع عنها هذه الأيام تؤشر إلى أن هذا المجتمع يعيش محنة نفسية من نوع ما، ويحيا إحساساً بالعجز، يتشابه مع الإحساس الذى سيطر عليه أيام النكسة، يدفعه إلى البحث عن معجزة سماوية، لعلها تمنحه إشارة أو بشارة أو علامة على طريق الخروج.
البحث عن النوع الذى ذكرته لك من المعجزات لا يعد التعبير الوحيد عن المحنة النفسية التى يعيشها قطاع من المصريين، بل إن هناك تعابير أخرى، لعل أبرزها هذا الارتفاع المحسوس فى أعداد الذين أصيبوا بأمراض نفسية ولجأوا إلى العلاج داخل مستشفيات الصحة. وقد ذكر تقرير رسمى -نشرته صحيفة المصرى اليوم- أن 516 ألف مريض نفسياً ترددوا على مستشفيات وزارة الصحة خلال عام 2016. ومن المعلوم بالضرورة أن التقرير لم يذكر عدد من ترددوا على عيادات نفسية خاصة!. مجمل الحكايات والأرقام التى ذكرتها تدلل على حالة الهشاشة التى أصابت نفسية قطاع لا بأس به من المصريين الذين أصبحوا يبحثون عن معجزة فى زمن لم يعد فيه معجزات!.