التركيز الشديد مع الذات يفقد الإنسان القدرة على إدراك الواقع من حوله. لا تنطبق هذه الفكرة على أحد كما تنطبق على جماعة الإخوان، وأسلوب تفاعلها مع الدعوات المحمومة لإسقاط نظام حكمهم فى 30 يونيو القادم. وقد عبّر الدكتور عصام العريان عن هذا التوجه داخل الجماعة، حين قال: «مظاهرات 30 يونيو لن تسفر عن شىء، وسوف تسطع شمس الأول من يوليو والدكتور مرسى رئيساً للجمهورية». هذا الكلام يمكننى أن أقبله على سبيل الأمنية، لكن أن أثمّنه كنبوءة يوجد فى الواقع معطيات مؤيدة لها، فذلك أمر صعب للغاية.
ومن يراجع التصريحات الشبيهة التى تخرج على ألسنة إخوانية أخرى، لا يملك سوى أن يردد: «ما أشبه الليلة بالبارحة». فهى تتشابه إلى حد كبير مع تصريحات أقطاب نظام حكم «المخلوع» قبل ثورة 25 يناير. فما أكثر ما كانوا يؤكدون أن مصر ليست تونس، وأن ما حدث لـ«بن على» لن يتكرر مع «بن مبارك»، ثم وقعت الواقعة وتقاطر المصريون بالملايين إلى الشوارع، ومكثوا فيها أياماً، ولم يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد التخلص من «المخلوع» وزمرته، وفى هذه الأثناء كان «العناترة» الذين تحدثوا عن استحالة سقوط النظام، وتكرار سيناريو تونس، يختبئون أسفل «السراير».
من التغفيل أن يشك أحد فى أن ساعة النهاية آتية، وأن الحساب آت، فذلك هو المنطق الإيمانى الذى يجب أن يحكم نظرة الإنسان إلى الحياة، لحظة الحساب قريبة دائماً من الإنسان، لذلك يتوقع العاقل أن تباغته فى أى زمان أو مكان، ولا يغفل عن هذه الحقيقة إلا السذج والذين أفرطوا فى الإيمان بذواتهم، واتبعوا هواهم، واستسلموا لأمانيهم فى الحياة، وغرقوا فى نشوة الإحساس الزائف بالتمكّن والتمكين، حتى أفاقهم الواقع حين دهمهم. ويصف الله تعالى موقف هؤلاء الأشقياء فى كتابه الكريم بقوله: «اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون» (سورة الأنبياء- الآية 1). فالغفلة تؤدى إلى الإعراض، أما التفكير فيؤدى إلى الانتباه والاستعداد ومعالجة أوجه الخلل.
لقد ساقت الغفلة «عصام العريان» وأمثاله من أقطاب الجماعة إلى عدم الالتفات إلى ما آل إليه حال المواطن، فصموا آذانهم عن صرخات التوجع التى يضج بها المصريون حالياً بعد أن تسممت حياتهم بسبب عجز النظام عن التعامل مع مشاكلهم، ووضعوا أكفهم على أعينهم كى لا يروا طوابير المصريين الذين يوقعون على استمارة تمرد، وشباب الحركة الذين ينتشرون فى كل شوارع مصر، بحيث يستطيع الأعمى أن يراهم. العريان وبديع ومرسى والشاطر وبيومى وعزت والبلتاجى والجزار وغيرهم فى غفلة عن ساعة النهاية، ظنا منهم أنهم سوف يعبرون بسلام من 30 يونيو، وحتى لو عبرتم، سوف تأتيكم لحظة الحساب فى 30 يوليو أو أغسطس أو سبتمبر، إنكم فقط تتمنون.. ليس بأمانيكم يا سادة!
مقالات متعلقة:من علامات ساعة مرسى (1)