فى سطرين، الناس صارت على علم بما جرى لمصنع ألبان الأطفال «لاكتو».. وهو مصنع اتهموا إنتاجه بأنه غير مطابق للمواصفات.. أغلقوا المصنع، وأخذوا عينات من إنتاجه، للفحص، الفحص أسفر عن نتيجة واضحة: إنتاج المصنع مطابق للمواصفات، بعدها لم يأمر وزير الصحة وقتها (الدكتور الجبلى) بإعادة الحق لأصحابه، وفتح المصنع.. ظل المصنع مغلقاً، من الطبيعى أن يفكر الناس فى السبب الذى كان وراء استمرار مصنع على هذه الدرجة من الأهمية، خاصة أن مستورداً للبن الأطفال أو أكثر من الفصيل، «الهمام»، كان لابداً فى الذرة «على رأى أهلنا فى الصعيد، بسرعة البرق، انقض على الفرصة، ليملأ الفراغ، ليحل الاستيراد محل الإنتاج... ماذا فعل صاحب المصنع؟ قام بما على «رجل إنتاج» عمله.. أعاد المصنع إلى الإنتاج، تحت اسم جديد..« لاكتو وان» و«لاكتو تو»، وتوجه بإنتاج مصنعه إلى التصدير، إلى دول العالم الأول: ألمانيا وهولاندا، وأظن النمسا.
دعك من مسألة أن وزير الصحة الحالى قد قال فى مداخلة تليفزيونية إنه قد عرف مصادفة بأمر المصنع الشغال، وهو الوزير الذى شهد عهده أزمة ٢٠١٦، واختفاء ألبان الأطفال، وتعال نتأمل، سيناريو إغلاق مصنع واتهامه، ثم ثبوت براءته من الاتهام الموجه له، واستمرار إغلاق المصنع.. ما دام ليس كل «الظن»، فإن بعضه، يسمح بعلامات استفهام
حاول الموقف الحكومى وقتها، ممثلاً فى وزير الصحة (الدكتور الجبلى).. الصمت وعدم الشعور بأى غضاضة فى استمرار توقف مصنع ينتج، ويعفى مصر شر السؤال، ويسد احتياج أطفال رضع.. والقبول أو الاستكانة إلى «الاستيراد».. هذا نموذج يمكن القياس عليه بسهولة فى قطاعات عديدة، دخلت نفس «المغارة»، مغارة «الخروج من الإنتاج»، ليكون «الاستيراد» سيد الموقف.. هى مغارة بالفعل، تم إدخال مصنع ألبان الأطفال إليها بحجة عدم مطابقة الإنتاج للمواصفات، ودخلت أو أدخلت فيها مصانع أخرى، بحجج متباينة، وكأن تجفيف منابع الإنتاج كان نهجاً مقصوداً.. مصانع النسيج والغزل، مصانع أغذية، مصانع السكر، الزيوت.. جزء كبير مما جرى ويجرى، وراءه مستفيدون، ومحتكرون، و«كعكات» يتم تقسيمها.. والمحصلة ما نحن فيه الآن «شعب يستورد» أكله ودواءه وسجادة صلاته، وقلمه وأوراقه.. حتى مستنسخات آثاره وعلامات هويته.
(هكذا يغرق خان الخليلى فى مستنسخات آتية من الصين.. وتماثيل أبوالهول وتوت عنخ آمون والهرم، والصوانى النحاس المطروقة، و.. و) كنت أقرأ فى مذكرات شخصية شهيرة من الذين عاصروا خمسين عاماً من الحكم وتوقفت عند قوله إن خطة لتعطيش المصانع بدأت منذ السبعينات، لضرب فكرة الإنتاج لصالح فكرة اقتصاد الخدمات..
وبدأ هذا التعطيش بما يشبه التعمد بحرمان المصانع من أى إحلالات أو تجديد، لتدخل مصانع منتجة إلى مغارة لا تختلف عن المغارة التى أريد لمصنع لاكتو دفعه إليها.. ولأن مصنع لاكتو كان مملوكاً للقطاع الخاص، يعنى له صاحب، تمكن من الإفلات من «الفخ».. فلمّ نفسه بسرعة، أعاد ترتيب أوراقه، أعاد عجلة الإنتاج، ووجه إنتاجه إلى الخارج.
كم مصنعاً تم إدخاله إلى المغارة؟ كم مصنعاً تم إفشاله عمداً؟ هل تعرف الحكومة أو هل لديها قاعدة بيانات لهذه المصانع التى أغلبها مملوك للدولة؟ ما أخبار «مصانع المحلة» التى ذهب إلى عمالها المهندس إبراهيم محلب، حين كان رئيساً للوزراء، ووعد عمالها بأن يتم انتشالها؟ حين يقول وزير الصحة إنه عرف مصادفة بأمر مصنع لاكتو وأنه ما زال يعمل، ثم يخرج المتحدث الرسمى لوزارة الصحة محاولاً التحسين من الصدى الذى أحدثه تصريح وزير الصحة، نكون إزاء حكومة لا تعرف حجم المتاح من الإمكانيات، أو حجم أدواتها، وبالتالى فإن ما تأخذه من قرارات يشوبه الإخفاق، لأنها ببساطة لا يمكن أن تقوم بتقدير أى موقف وهى لا تعلم بالضبط حال قطاعاتها.
بقى القول إن حكاية «لاكتو» تستحق أن نسأل أو نسائل، أو حتى نتساءل: مَن كان مسئولاً؟ حتى إذا كنا لا نملك آليات أو قانوناً يحاسب بأثر رجعى، من حق الرأى العام أن يتلقى إجابات ولو بأثر رجعى، وألا يمر الأمر مرور الكرام.. المغارة ما زالت مفتوحة «واللابدون فى الذرة» بطونهم لا تشبع!