لم يتبقَّ سوى أسبوعين على يوم 30 يونيو. وهو يوم من أيام مصر الحبلى بصدام حتمى بين طرفين: الثوار المطالبين بالإطاحة بـ«مرسى»، و«الجماعة» وذيولها المدافعين عن بقائه. الصدام حتمى لأن كل طرف يتعامل مع الحدث القادم بمنطق الفرصة الأخيرة، فإذا عبر «مرسى» من هذا اليوم سوف تتمكن الجماعة من الحكم زمناً طويلاً، وإذا نجح الثوار المطالبون فى الإطاحة بـ«مرسى» وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فسوف توضع الجماعة على طريق النهاية، وإذا بلطجت «ميليشياتها» مع أفراد الشعب الثائر، فسوف تنتهى إلى الأبد.
«مرسى» وجماعته يعيشان مأزقاً وجودياً خطيراً، إذ لا بقاء لأحدهما إلا بالتخلص من الآخر، فإما أن يتخلص «مرسى» من الجماعة، أو تتخلص الجماعة من «مرسى». أيهما أسهل من وجهة نظرك؟ لو تخلص «مرسى» من الجماعة بقرارات وإجراءات حقيقية فسوف ينجو بنفسه، ويفكك الزخم الذى يتراكم يوماً بعد يوم للإطاحة به فى 30 يونيو، لأن إطلاق يده فى الحكم قد يدفعه إلى اتخاذ الكثير من القرارات التى تحقق مطالب الثائرين ضده، لكن هل يقوى «مرسى» على ذلك؟ وهو الكادر الإخوانى الذى تربى فى حضن الطاعة، ويعلم أن سر وجوده واستمراره على كرسى الرئاسة يرتبط بالجماعة؟ أما إذا تخلصت الجماعة من «مرسى»، وقدمته قرباناً للشعب المطالب بالتغيير فإن هذا الإجراء يحمل لها فرصاً عديدة فى المستقبل، أبسطها إثارة تعاطف الرأى العام معها، وقد ظلت الجماعة تعتمد لسنين طويلة على هذا التعاطف، حتى وصل رصيدها منه خلال السنة التى حكموا فيها مصر بواجهة «مرسى» إلى صفر كبير. فتخلص الجماعة من «مرسى» يضمن لها فرصاً كبيرة للاستمرار كعنصر من عناصر المشهد السياسى فى مصر. دعنى أعيد عليك السؤال الذى طرحته عليك فى بداية هذه الفقرة: أيهما أسهل من وجهة نظرك: أن يتخلص «مرسى» من الجماعة، أم أن تتخلص الجماعة من مرسى؟
دعنى أحكى لك موقفاً قد يساعدك على الإجاية: عام 1953 قرر المستشار حسن الهضيبى -المرشد الثانى للجماعة- التخلص من عبدالرحمن السندى مسئول النظام الخاص (جهاز الاغتيالات التابع للإخوان) الذى تأسس فى عهد حسن البنا، وكان ينوى تعيين السيد فايز مكانه، وما إن تسرب هذا الخبر، حتى تم اغتيال «فايز» يوم مولد النبى صلى الله عليه وسلم، بأن أرسل أحد الأشخاص علبة حلويات لمنزل السيد فايز، كانت تحتوى على قنبلة انفجرت فى الرجل بمجرد أن فتح العلبة. ثرثر الإخوان فى جنازة «السيد فايز» بأن قاتله هو جمال عبدالناصر، وعلى مدار سنين طويلة أكدوا أنه من المستحيل أن يكون صاحب هذه الفعلة من الإخوان، حتى كشفت أسماء كبرى فى الجماعة نفسها، من بينها محمود عبدالحليم والشيخ السيد سابق، أن «السندى» هو الذى دبر عملية اغتيال «فايز». فالجماعة تستوعب جيداً عبارة «بيدى لا بيد عمرو».. المفاجآت واردة.. وكله بعلمه!.