لأن الشباب حاضر، فالأمل موجود.
على القدر الكبير من الاختلاف والتنوع، ومن الأخطاء التى قد تقع، ومن الملاحظات والسلبيات التى يمكن رصدها، تظل هذه القاعدة صائبة تماماً. فى كل دكان وكل ورشة وكل مصنع، كلما كان الشباب حاضراً، كان الأمل موجوداً.
مشهد 1:
يقف أسطى عجوز، أشيب، أمام مدخل ورشة صغيرة للسيارات، وإلى جواره يفترش الأرض شاب دون العشرين عاماً يؤدى عمله أسفل سيارة لأحد الزبائن، يتابعه الرجل الكبير عن كثب، وبين فترة وأخرى يقترب منه يراجع ما يقوم به ويوجهه أحياناً. ربما يستطيع هو أن يقوم بهذا العمل البسيط بصورة أسرع، أو يعالج الملاحظات بنفسه دون توجيه يبطئ من الأمر، لكنه حريص على شىء أهم من ذلك.. أن ينقل خبرته إلى اليد التى ستعتمد عليها الورشة مستقبلاً.
مرت ثلاثون عاماً، توفى الأسطى الكبير، وحل مكانه الشاب الذى كان يتعلم، لكنه الآن تحول إلى أسطى ينقل بدوره خبرته إلى شاب جديد. تغيرت الأدوار لكن الورشة مستمرة.. هذا هو النجاح.
مشهد 2:
يمسك الرجل الستينى الذى يرتدى بدلة «محلاوى» قديمة، دفتراً كبيراً يضم أسماء التجار، ومدوّن إلى جوار كل اسم بعض الملاحظات. نادى إلى ابنه الذى لم يُنهِ دراسته بكلية التجارة، وأخذ يشرح له خريطة السوق من خلال هذا الدفتر. بعد أن انتهى سأله الابن: ما فائدة ذلك وأنت الذى تدير العمل؟.. فجاوبه: لأن هذا العمل كله، سيوكل لك غداً!
بعد سنوات، لزم صاحب محل القماش والمفروشات منزله، وتولى ابنه إدارة كل شىء، ومعه أصبح للمحل ثلاثة أفرع جديدة وطاقم كبير من العمال. لكنه كان فى كل صفقة كبيرة أو صغيرة يعقدها، تتردد فى أذنيه واحدة من نصائح والده.
مشهد 3:
فجأة، تبدل حال الأسرة المكونة من خمسة أفراد. فمع الوعكة الصحية التى أصابت الوالد لم يعد قادراً على أداء عمله، كان يحصل على أجر كبير يوفر لأسرته حياة عالية المستوى. الآن توقف الدخل كله، وباتت الأسرة أمام أزمة مادية كبيرة. بعد نحو شهر من مرض الأب، كان الابن الأكبر يجمع بين محاضراته بالجامعة وعمله المسائى فى أحد المطاعم. وشقيقته التى تصغره بعامين الملتحقة بكلية التربية بدأت تتنقل بين مجموعات تعطى دروساً خصوصية لتلاميذ بالمرحلة الابتدائية، بينما الابن الأصغر قرر من تلقاء نفسه أن يقلل مصروفه ويوقف اشتراكه بالنادى الرياضى. بعد عام تمكنت الأسرة من تجاوز أزمتها، وعاود الوالد عمله، وعاد كل شىء إلى أفضل مما كان عليه. لماذا؟ لأنه كان هناك أبناء يمكن الاعتماد عليهم، ولأن إعدادهم على هذا الأمر منذ الصغر كان ناجحاً من الأبوين.
ما علاقة كل ذلك بـ«الوطن»؟
علاقته أن القصص الثلاث لم تكن كل منها سوى «وطن» آخر صغير، استطاع أن ينجح أو يتوسع أو يتجاوز أزمته بشبابه. لكن ذلك لم يتم أبداً بمعزل عن جيل من «الآباء» أو «الأسطوات» لم يبخلوا بنصيحة أو فرصة أو مساعدة. وربما هذا هو السبب وراء استمرار «الوطن» -الجريدة- خمسة أعوام وسط أوضاع إعلامية هى الأصعب فى تاريخ المهنة، وأوضاع سياسية واقتصادية هى الأصعب فى تاريخ البلد.