الملاحظة الأساسية التى يمكن تسجيلها على اللقاء الذى جمع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعاهل المملكة العربية السعودية، وعدد من الأمراء والرؤساء العرب والمسلمين، أن الأطراف الأساسية التى تفاعلت داخل القمة كانت تؤدى طبقاً لأهدافها بشكل واضح وصريح لا يحتمل أى تأويل، واتخذت من القمة أداة لتحقيق هذه الأهداف، ولكن يبقى أن «ترامب» كان الأقدر على ترجمة أهدافه بصورة واقعية وبراجماتية محددة.
«ترامب» كان له هدف واضح من الوجود فى هذا التجمع العربى والإسلامى على أرض المملكة، يتمثل فى إتمام الصفقات الاقتصادية والعسكرية التى أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة، لذلك كان أول خبر خرج عن القمة بعد ساعات قليلة من وصول «ترامب» هو الإعلان عن إبرام اتفاقيات بين البلدين تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، مؤكداً أنها ستنعش الاقتصاد الأمريكى الذى يعانى بشدة، ويحتاج إلى مثل هذه الصفقات حتى يتجاوز عثراته. «ترامب» كان متسقاً مع نفسه وأدى بما هو معروف عنه من مهارة فى إبرام الصفقات التجارية، حتى عندما دعاه أمير الكويت إلى زيارة دولته، كان رده «نتطلع إلى صفقات اقتصادية مع الكويت». الرجل واضح، هو يريد المال وعقد صفقات كبرى مع دول الخليج، وفى كل كلامه كان حريصاً بشكل مباشر على التأكيد على الدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى الماضى فى حماية الخليج، وأن استمرارها فى أداء هذا الدور يرتبط بما يمكن أن تحصل عليه من مقابل اقتصادى لهذه الحماية، «ترامب» كان واضحاً أشد الوضوح.
المسئولون السعوديون، وكذلك المسئولون داخل دول الخليج الأخرى اتسموا بأعلى درجات الوضوح والصراحة والمباشرة فى طلباتهم من «ترامب»، إنهم يريدون من الولايات المتحدة الأمريكية حمايتهم من التهديدات الإيرانية. فى نفس اليوم الذى وقع فيه «ترامب» صفقات الـ400 مليار جنيه، خرج وزير الخارجية الأمريكى يؤكد أن الولايات المتحدة تقف بشكل حاسم ضد التمدد الإيرانى فى المنطقة، لكن فى اليوم التالى أكد «ترامب» فى كلمته أن دول المنطقة مطالبة بأن تشحذ أدواتها فى مواجهة التهديدات الإيرانية، وأن ذلك هو الكفيل بتقليم أظافر إيران وليس الحماية الأمريكية. كان من الطبيعى أن يردد الرجل هذا الكلام فقد أتم الصفقة وحصل على ما يريد. الكلام الذى يقوله العاشق للمرأة التى يصبو إلى إيقاعها يختلف عن الكلام الذى يقوله لها بعد أن تقع. المسئولون السعوديون كانوا واضحين، وكان «ترامب» صريحاً معهم كل الصراحة.
اتسمت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضاً بأعلى درجات الوضوح والمصارحة، فقد تحدث عن الإرهاب الذى تواجهه مصر والمنطقة، وتساءل عن الدول التى تؤوى الإرهابيين وتداوى جرحاهم وتجدد لهم أسلحتهم، وتيسر بيع البترول الذى تغتصبه داعش فى الأسواق العالمية. الكل يعلم الدول التى ترعى الإرهاب على الأقل داخل مصر وتمنحه الدعم والتمويل، لكن اللافت أن الرئيس ترامب تحدث عن قطر فصنفها كحليف فى محاربة الإرهاب، ولم ينس أيضاً أن يحتفى بالدور التركى فى هذا السياق!. فى قصر «اليمامة» بالمملكة العربية السعودية الكل كان واضحاً، ويبدو أن الرؤية تكون أصفى عندما يحلق الإنسان على جناح «يمامة».