كلمة الحديد «كلمة السر» فى حياة المصريين، ما أكثر ما يستخدمها المواطن فى التعبير عن أحاسيسه ومشاعره. مثلاً عندما يريد المصرى أن يصف قوة شخص فإنه يصفه بقوله «حديد على حديد»، وعندما يرغب فى وصف حالته الضنك يقول لك «أنا على الحديدة» وقد يبالغ البعض ويقول «أنا بعت الحديدة كمان»، وحينما يريد التعبير عن كراهيته لشخص فإنه يصرخ إذا ورد اسمه أمامه قائلاً «حديد وبعيد»، وقد يضيف المصرى إذا اشتد به الغضب على أحد وصف «أصل دماغه زلط» ليجعل منه خلطة خرسانية لا ينقصها سوى الأسمنت!
«الحديد» داخل فى حياة المواطن المصرى بصورة عجيبة. فالبسطاء من الناس يطلقون على محطة رمسيس «باب الحديد»، وأكيد فاكر الفيلم العبقرى الذى أبدعه يوسف شاهين بهذا الاسم «باب الحديد»، وهناك أفلام أخرى كثيرة استلهمت كلمة «الحديد» مثل فيلم: «أبوحديد» وفيلم «ابن الحداد». وإذا قبضت الشرطة على شخص صرخ من حوله: «راح فى حديد»، والعسكرى يسمى «الكلابشات» حديد. وعندما يواجه الإنسان المصرى شخصاً صعباً أو موقفاً عسيراً يقول لك «لا يفل الحديد إلا الحديد».
«الحديد» له فعل السحر فى حياة المصريين، وقد كان «سيخ» الحديد سراً من أسرار سقوط المخلوع. فحديد «عز» كان -وما زال- سراً من أسرار حالة الفساد التى أدت إلى الثورة. فأحمد عز -الذى أشيع أنه يتابع الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة من طرة- كان صديقاً مقرباً وملهماً لخائب الرجاء «جمال مبارك»، وكان من خيبة رجاه يراه شخصاً فى منتهى الذكاء، وأبرز سر من أسرار ذكائه هو «أسياخ الحديد» التى استطاع أن يسيطر عليها ويحتكرها ويتحكم فى أسعارها، ودخل بذلك فى صميم حياة المواطن الذى لا يستطيع الاستغناء عن «الأسياخ» حتى يستطيع أن يجد له سقفاً و4 حيطان يعيش فى ظلها.
الحديد جزء من ثقافة العبيد، فالعبد لا يستطيع أن يستغنى بحال عن الأغلال الحديد، ومهما يستغرب الحر من ذلك العبد الذى استمرأ العيش فى الأغلال فإن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً. فالعشرة لا تهون على بعض المصريين لأنهم ولاد حلال مصفى، و«العشرة متهونش إلا على ابن الحرام»، لذلك لا يستطيع من تعود على الحياة فى الحديد أن يعيش بعيداً عنه، وحتى لو جاءه من يفك الأغلال التى فى عنقه ويديه ورجليه فإنه يكتئب ويغضب ويظل فى حيرة من أمره حتى يأتيه من يكتفه بالحديد من جديد، فذلك هو الذى يختاره لأنه يعرف معنى العشرة، ويفهم أن الحديد حق للجميع. أما المتمرد الذى يمنحه حريته فليس له منه سوى الكراهية، لأن قلبه حجر أو «حديد»!