أمر نبى الله يعقوب ابنه يوسف بعدم الإفصاح عن رؤياه بسجود الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً له حتى لا يكيد له إخوته كيداً!! لكن أوَيكون لأبناء الأنبياء كيد وشر؟! ينزغ الشيطان فى نفوس الجميع، بالحسد والبغضاء والغيرة والحقد، فيمتنع طيب النفس ويترفّع عن الحسد، متمنياً دوام أنعم البشر، وإن أحب شيئاً منها تمنّاها دون تمنى هلاك الآخرين، أما صاحب النفس الخبيثة فيتلقى نزغ الشيطان بالترحاب، بل يزيد عليه وإن أوصله الأمر إلى القتل، كما عزم إخوة يوسف، أو بأن يطرحوه بأرض بعيدة، كى يخلو لهم وجه أبيهم، ثم من بعد هذا يتوبون ويكونون قوماً صالحين!!، وكأن شيئاً لم يكن، ففعل الشر على البعض هيّن.
ثم يحبكون ويحكمون المؤامرة على أخيهم الأصغر، لا لذنب غير أن لديه من المزايا ما لم يكن لهم، فمحرك الحسد الأول والأقوى هو السخط وعدم الرضا والمقارنات بين حالك وحال الغير. هكذا اجتمعوا على الفعل الشنيع ذاته، بإلقائه فى الجب حسداً وشراً، ثم عادوا يتباكون أمام أبيهم وأمام الناس، ويشتكون الحزن والألم، لكن الله أعلم بهم وبحالهم وبأمثالهم!! صبر «يعقوب» واستعان بالله على وصف أبنائه الكاذب بأن الذئب أكل «يوسف»، وإتيانهم بدليل ملفق (دم كذب على قميص يوسف).
رحمة الله أدركت «يوسف» والتقطه أحد السيارة الذين باعوه، حتى وصل به المقام إلى قصر العزيز، استقر فى بيت ثرى وحياة رغدة مدللاً معززاً، أكرم العزيز مثواه، ومكَّن الله له فى الأرض وعلمه تأويل الأحاديث، ولما بلغ «يوسف» سن الشباب أتاه الله الحكمة والعلم جزاءً لنفسه المحسنة الطيبة، واختبر «يوسف» فى العفاف وتقوى الله فاختار السجن ولم يرضخ لتهديد امرأة العزيز والنسوة اللاتى قطعن أيديهن، ومكث فى السجن بضع سنين!! خرج من السجن كمكافأة ملكية على تأويله حلم الفرعون وجُوزى بأن جعله على خزائن الأرض (أصبح عزيزاً لمصر).
فى سنوات الجدب والفقر، كانت حكمة «يوسف» وسياسته المالية تحمل الرخاء لمصر، فجاء إخوته طالبين أن يشترى بضاعتهم من البادية، وأن يجزل لهم العطاء، لم يعرفوه، وعرفهم هو. أعزه الله ورفعه فوقهم درجات، وأوحى إليه ربه حيلة إخفاء صواع الملك، للاحتفاظ بأخيه «بنيامين»، واستدعاء أبيه «يعقوب» وعشيرته، وهنا أيضاً حضر شر إخوته، عندما افتروا على يوسف «قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ»، لم يكفهم ما فعلوه به طفلاً، بل حتى ذكراه أرادوا تشويهها حسداً وحقداً، واصفين إياه بالسارق، وهو الصديق الأمين، فالحاسد يلصق بضحيته الأكاذيب من فرط سوء نفسه وخبثها.
عاد إخوة «يوسف» إلى أبيهم يخبرونه باحتجاز عزيز مصر لأخيهم الأصغر «بنيامين»، فيحزن النبى ويدعو الله أن يجمعه بابنيه مرة أخرى، وأيضاً يستمر حسد إخوة يوسف «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ» يحسدون يوسف على تذكر أبيه له بعد كل تلك السنين، مجرد الذكرى والافتقاد أنكروهما على أبيهم و«يوسف».
تنتهى قصة النبى مع إخوته بأنه يسامحهم ويذكّر أباه بالرؤيا التى جعلها الله حقاً، بسجود أمه وأبيه (الشمس والقمر) والأحد عشر كوكباً (الإخوة الأسباط) له وهو عزيز لأكبر بلاد الأرض وأغناها، ونبى ورسول يرث ما أُنْزِلَ على آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، جزاءً من رب كريم، على حسن السريرة وطيب النفس وسماحها.
رسالة حسد إخوة «يوسف» درس عظيم بأن الحسد يأتى نفوساً لئيمة ساخطة، من حسد «يوسف» وكاد له وافترى عليه كانوا إخوته، فالقربى لم تشفع له. الحسد ربما يضر المحسود لفترة أو لزمن، لكن الضرر الأكبر والْخِزْى والخسران يكون من نصيب الحاسد فى الدنيا والآخرة. ينفذ سهم الحسد أحياناً، لكن كرم الله مع أصحاب النفوس السمحة المتوكلة على الله أكبر وأعظم.