تعلمنا الحياة يومياً درساً جديداً، درساً مختلفاً عما جاء بالكتب، درساً (خصوصياً)، وغالباً مع كل درس جرح لا يندمل، وإن برئ الجرح ترك ندبة، لتذكرنا بدرسنا الصعب، تمر الحياة ويصبح الأكثر إصابة هو الأقوى والأكثر تحملاً والأحكم والأعقل، لكنه يكون أيضاً الأكثر فى عدد الندبات أو آثار الجروح الغائرة التى من شأنها أن تشوه الروح وتغتال الوجدان.
أحياناً تأتى الدروس لأناس محيطين بنا، بعالمنا وبأجوائنا ليكونوا دروساً غير مباشرة، منها (نجاحات بعد صعاب، وفرج بعد ضيق، وتغير أحوال إلى الأفضل والأنجح والأكثر تحققاً)، ومنها (انقلاب أحوال، وتحول من رخاء إلى شقاء، ومن يسر لعسر، وامتحانات يصعب علينا تحملها أو خوضها أو مجرد التفكير بها).
دروس الحياة تجعل من أيامنا عبرات وعظات، تشكل لون حياتنا وعيوننا وخطوط وجوهنا، ربما تتشابه كسرات الوجوه وتجاعيدها فلا تفرق بسهولة بين تعريجة عبوس الحاجبين أو خطوط الضحك وعلاماته، فجميعها خطوط وتجاعيد وعلامات لدروس الحياة واختباراتها.
لدروس الحياة أيضاً عجائب وغرائب، فكم من صديق مقرب محبب لا يكون على قدر الثقة أو عند حسن الظن، وكم من بعيد أو معرفة عابرة تكون بطولته ومساندته لك فوق كل توقع، الأعداء أيضاً ربما يفاجئونك بجميل خصال ونبل أخلاق وهمة ونجدة تجعلك تندم على معاداتهم أو أخذ مواقف سلبية منهم، وهذا الأمر بحد ذاته درس مهم، لهذا لا تثق بآرائك وانطباعاتك ثقة عمياء، لأنه ليس هناك حقائق مطلقة بهذا الكون، فكل شىء قابل للتغير والانقلاب ليكون العجب والاستغراب!! كن دائماً مستعداً لتلقى الدروس.
ليس كل من يمر بالتجارب والاختبارات أو يراها بغيره قادراً على قراءة كتاب (دروس الحياة) أو فهمه واستنباط معانيه وتوخى الحذر بشأنه، لقراءة الدروس تحتاج لنظارة بمقاس خاص (مقاس الملاحظة والشعور والفطنة).
تلك الدروس أشبه بشيخ عجوز غامض يقايضك على أن يعلمك شيئاً مقابل سلبك أشياء، فهو إن علمك الحذر والحيطة، أخذ منك الشعور بالأمان والتصديق، وإن علمك الصبر والجلد فقد أخذ منك شيئاً محبباً ليدربك على معنى الفقد، وإن علمك التأنى والتريث فقد لقنك قبلها درساً يخص التسرع والتهور والاندفاع.
وليس لهذه الدروس جنسية أو لغة، فهى عالمية ومتكررة، ذات العبر والمعانى حدثت منذ آلاف السنين وما زالت تحدث وسوف تحدث دائماً، لهذا ربما ساعدت كتب التاريخ والحكايا على اكتساب تلك الدروس دون المرور بها أو تكبد مشقتها.
وسواء كنت ممن تعلموا تلك الدروس المهمة (من الحياة وخطوبها وشقائها ونعيمها) أو من خلال (كتب القصص والحكايا القديمة والجديدة) فأنت لست كباقى البشر، لأنه يصيبك مع فهم هذه الدروس واستيعابها شىء من الحكمة والتعقل والتمهل، فقد أصبحتَ ترى ما لا يراه غيرك وتتنبأ بغدٍ أيسر من اليوم وأمس متفادياً أخطاء الماضى ودروسه.