أمر عجيب جداً، تلك الحمية التى تسيطر على الإخوان وهم يطالبون بعودة الدكتور «محمد مرسى» إلى الحكم، بعد أن أثبت فشله الذريع فى إدارة شئون الدولة!. ماذا إذن كانوا سيفعلون لو أن «مرسى» أثبت أى قدر من النجاح فى هذا الاتجاه؟. أظن أن الكثير من عقلاء الجماعة متفقون معنا فى أن «مرسى» كان رئيساً فاشلاً، قد يكون لديهم وجهة نظر مختلفة فى تفسير هذا الفشل، إذ يعزونه إلى الدور الذى لعبته الدولة العميقة فى خلق الأزمة تلو الأخرى، بداية من أزمة الدولار، ومرواً بأزمة الكهرباء، وانتهاءً بأزمة البنزين والسولار، الأمر الذى أدى إلى ضجر الكثيرين من «مرسى»، فنزلوا بالملايين فى 30 يونيو. ولو افترضت جدلاً أن ذلك هو السبب، فإن ذلك لا يستر «عورة» فشل «مرسى» الذى عجز، وهو جالس على كرسى الرئاسة، عن التعامل الحاسم مع مفاصل ما يسمى بالدولة العميقة، والفشل دائماً ما يكون حظ العاجز من الحياة.
أصل العلة فى سقوط «مرسى» لا يعود إلى الشعب الذى نزل بالملايين، ولا فى الفريق «السيسى» الذى استجاب لصرخات المصريين المنادية بإسقاط النظام، فوضع خارطة الطريق لإجراء انتخابات رئاسية جديدة. العلة فى الأمر تتعلق بـ«مرسى» ذاته وجماعة الإخوان. لقد وصل «مرسى» إلى قصر الاتحادية وهو «محكوم» وليس حاكماً، وصل «محكوماً» بالجماعة التى ساقته إلى «القصر» ليكون مندوبها فيه. ولم يكن «مرسى» أقل سذاجة من إخوانه، حين ظن أن فى مقدور جماعة أن تبتلع دولة، كما أن أنصاره المطالبين بعودته الآن يعانون من حالة تسطح عقلى واضح، حين يظنون أن فى استطاعتهم مواجهة دولة بأكملها!.
وصل الإخوان بـ«مرسى» إلى قصر الاتحادية، وهم يزايدون على الشعب بارتداء جلباب ثورة 25 يناير، وحين تمكنوا من الحكم خلعوا «جلباب الثورة»، ليظهر أسفل منه جلباب الجماعة التى تعتبر هذا الشعب مجرد «مطية» يصح ركوبها، حتى تتمكن من الوصول إلى أهدافها، ولا تثريب عليها بعد ذلك إن ضربت هذه الدابة بـ«الصُّرَم» لتسكن فى المكان المخصص لها!. لم تكن الجماعة من الحصافة، بحيث تفهم أن مصر التى خرجت من رحم ثورة يناير هى مصر جديدة، يقودها شعب لا يستطيع أحد أن ينصب عليه ثانية، شعب أذكى من كل من حكموه أو سيحكمونه، ومن العبث أن تتاجر عليه الجماعة الآن بـ«ثورة يناير» التى تضيع. فالشعب الذى سطّر هذه الملحمة بموجاتها السابقة والحالية واللاحقة، قادر على الحفاظ عليها.
الخسارة هى حظ الحمقى من الحياة، والفشل قدر الأغبياء. لعل الجماعة تستوعب هذه الحقائق ولا تواصل مسلسل غيها والخضوع لشيطانها، عليها أن تسحب شبابها من الشوارع حقناً لدمائهم، وكفاها خسائر. وإذا كان الحفاظ على كرسى السلطة عند الوصول إليه أمراً صعباً، فإن استعادة «الكرسى» بعد ضياعه ضرب من ضروب المستحيل.. وتلك آية من آيات الكرسى!.