الاستثمار قضية حياة أو موت، وكل قيادات الدولة أصبحت تدرك ذلك، وخلال الفترة الوجيزة الماضية هناك جهود كثيرة بذلتها الحكومة لتهيئة مناخ الاستثمار، وتمثل ذلك فى إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار الذى يرأسه رئيس الجمهورية شخصياً، وأيضاً إصلاح البنية التشريعية من خلال حزمة قوانين الاستثمار والإفلاس والشركات وسوق المال والتأجير التمويلى، وأيضاً إنشاء مركز لخدمة المستثمرين لإنهاء إجراءاتهم من مكان واحد حتى ينقذهم ذلك من بيروقراطية وفساد الجهاز الإدارى.
جهود كبيرة يبذلها رئيس الجمهورية، وكذلك وزيرة الاستثمار، وجولات مكوكية فى معظم دول العالم للتعريف بالإصلاح الاقتصادى والتشريعى من أجل جذب مستثمرين أجانب جدد، والرئيس لا يترك أى مناسبة محلية أو دولية إلا ويتحدث عن الفرص الاستثمارية الواعدة فى مصر كلها. جهود محترمة ومشكورة، ولكنها ليست كل المعادلة، لأن لدينا مسئولين قد يُفشلونها وتُعتبر كأن لم تكن حينما يتعامل المستثمر مع الجهاز المحلى ومع صغار الموظفين الذين لا يعنيهم سوى مصلحتهم الشخصية فقط، وإذا تعارضت مع مصلحة الوطن فلتذهب الأخيرة إلى الجحيم.
المستثمر الأجنبى لن يأتى إذا كان نظيره المحلى يعانى، وهو حالياً لا يعانى فقط، بل بعض أجهزة الدولة تتعامل معه على أنه لص وفاسد وحرامى إلى أن يثبت العكس، فالمستثمر الأجنبى قبل أن يأتى يسأل أولاً كيف هو حال المستثمر المحلى، فهو السنارة التى نصطاد بها الأجنبى.
أقول هذا بمناسبة ما يحدث مع جامعة الدلتا التى حصلت على قرارات من لجنة فض المنازعات ومعتمَدة من مجلس الوزراء منذ ثلاثة أعوام ولا تستطيع تنفيذها بسبب تعنت المسئولين فى محافظة الدقهلية.
جامعة الدلتا أقيمت على مساحة 50 فداناً فى منطقة كانت صحراء جرداء فحولتها إلى جنة خضراء، وأصبحت منارة علمية توفر 4 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة وفرص تعلم لـ11 ألف طالب كانوا يضطرون للالتحاق بالجامعات الخاصة فى القاهرة والجيزة، وهذا كان يسبب عبئاً كبيراً على أولياء الأمور مالياً ونفسياً من الخوف على أبنائهم وهم بعيدون عنهم.
الدولة حينما فكرت فى إنشاء لجان فض المنازعات كان هدفها هو السرعة والإنجاز فى حل المنازعات وحتى لا يتوه المستثمرون فى دهاليز المحاكم التى تستمر سنوات وبالتالى تتسبب فى هروبهم، ولكن بعض الموظفين جعلوا من قرارات لجنة فض المنازعات حبراً على ورق، ولذلك حسناً فعلت وزارة الاستثمار بأن جعلت قرارات اللجنة ملزمة ونصت على ذلك صراحة فى قانون الاستثمار الجديد.
ولكن تبقى مشكلة القرارات السابقة التى حصل عليها المستثمرون، وترفض جهة الإدارة تنفيذها وجامعة الدلتا نموذج لذلك، وهذا لم يتسبب فى تعطيل استثمارات بالمليارات فقط، بل فى هروب المستثمرين وعدم تشجيع آخرين على الدخول فى السوق المصرى. يجب أن تكون الدولة حاسمة فى هذه الأمور، لأنها أكبر دعاية للاستثمار، وكل مشكلة لها ألف حل، ولكن لدينا مسئولين يضعون أمام الحل ألف مشكلة.
الخلاف فى أزمة جامعة الدلتا حول تسعير الأرض لو فى يدى القرار سأفرض على صاحب الجامعة إقامة مشروعات أخرى بقيمة الأرض طالما أنه مستثمر جاد وناجح أستغله فى إقامة مشروعات جديدة إنتاجية ومفيدة للبلد تساهم فى توفير فرص العمل وتخفيض الاستيراد، فليس لدينا أزمة أراض بل لدينا كارثة فى الإنتاج والبطالة.
الأمل كله فى المستثمر المحلى، هو أولى ببلده لأنه يحمله على كتفيه إذا حدث له أى مكروه (لا قدر الله) ويتحمل كل المخاطر والتغييرات السياسية والاضطرابات الأمنية، ولهذا يجب على الدولة أيضاً أن تحمله على الرؤوس والأعناق.