الانتخابات للمناصب الدولية تتطلب عملاً شاقاً سابقاً على الانتخابات بفترة طويلة، تتطلب أولاً جهداً داخلياً منظماً لاختيار المرشح لهذه المناصب بطريقة موضوعية، أى تقييم الشخصيات العامة الوطنية بشكل عام مجرد وتقديم صاحب سجل حافل فى مجاله، ثم تشكيل فريق وطنى للحملة يبدأ فى العمل مبكراً جداً، ويتولى هذا الفريق دراسة خريطة العضوية فى المنظمة أو الهيئة الإقليمية أو الدولية المراد تقديم مرشح لشغل الوظيفة فيها، ثم تقديم تقرير للدولة بشأن خريطة الدول الأعضاء مع توقع محدد لنمط تصويت هؤلاء الأعضاء وعلى أى أساس سيكون اتجاه التصويت، ومن ثم يجرى بعد ذلك تحديد فئات واتجاهات التصويت، فهناك فئة أولى، لا موقف محدد لها وغالباً ما تلعب الرشاوى المالية المباشرة وغير المباشرة دوراً فاعلاً فى حسم اتجاه التصويت سواء بالتعامل مع رأس السلطة أو مندوب الدولة فى المنظمة المعنية، وهذه الفئة من أسهل الفئات للحصول على أصواتها وذلك بتخصيص ميزانية للتعامل معها من قبل الدولة التى تريد إنجاح مرشحها، ففى كل المنظمات الدولية هناك فئة من الدول الصغيرة الفقيرة التى تعد الانتخابات بالنسبة لها أو لمندوبها فى المنظمة المعنية مناسبة للحصول على المال مباشرة أو المساعدات للدولة بشكل ما من الأشكال. تأتى بعد ذلك فئة الدول التى لا تهتم كثيراً بالانتخابات ولا تقبل بالرشاوى وترغب فى بناء علاقات من خلال اتجاه التصويت أو تطوير هذه العلاقات مستقبلاً، ومن ثم فإن الاتصال المكثف بقيادة هذه الدولة والدخول جدياً فى مجال تطوير العلاقات يكون مفيداً. الفئة الثالثة هى فئة الدول التى تتطلع إلى الحصول على المنصب وتنافس عليه بقوة، وهى فئة مهمة للغاية حيث يمكن التنسيق مع القوى منها وإبداء الاستعداد لإبرام صفقة فى منتصف عملية التصويت، فبعد جولتين أو ثلاث تتضح الخريطة واتجاهات التصويت، وهنا يمكن إبرام صفقة مع المرشح الأقرب سياسياً يجرى الاتفاق بموجبها على تخلى مرشح عن السباق ودعوة ناخبيه للتصويت لمصلحة مرشح الدولة التى تم الاتفاق معها، على أن تتعهد الدولة الأخيرة بدعم مرشحنا فى الانتخابات المقبلة، وهو أمر يتطلب قدرة على اتخاذ قرارات مستقبلية، فعلى سبيل المثال قدمنا فى انتخابات اليونيسكو السابقة الوزير فاروق حسنى وحصل على عدد كبير من الأصوات، ولو كانت هذه الرؤية متوافرة فى الانتخابات السابقة لكانت مرشحتنا هذه المرة حصدت الأصوات بسلاسة، ونظرة إلى الانتخابات هذه المرة نجد أن مرشحتنا حصلت على أحد عشر صوتاً فى الجولة الأولى ثم زادت بمعدل صوت واحد فى الجولتين الثانية والثالثة، هذا بينما تمكن مرشح قطر من تقدم السباق بفضل دبلوماسية المال من الجولة الأولى بالحصول على تسعة عشر صوتاً، وحصلت مرشحة فرنسا فى الجولة الأولى على ثلاثة عشر صوتاً، وفى الجولة الثالثة تساوى المرشح القطرى مع المرشحة الفرنسية ولكل منهما ثمانية عشر صوتاً، الأمر الذى كان يحتم من وجهة نظرى الدخول فى مفاوضات سريعة مع فرنسا لإبرام اتفاق الأقرب فيه التنازل للمرشحة الفرنسية مع تعهد بأن فرنسا ستحشد لمرشحنا الأصوات الأوروبية والفرانكوفونية فى الانتخابات المقبلة وعدم المغامرة بخوض جولة رابعة من المؤكد أننا سنخسرها، ومن ثم لا نخرج من المنافسة بخفى حنين، ونبنى للمستقبل وننسج علاقات تمكننا من حصد مواقع دولية لها قيمة سياسية أو ثقافية أو حتى رمزية.