يقول «أفلاطون»: «أعطنى جيشاً من العشاق وأنا أغزو به العالم كله».. ذلك لأن العاشق لديه قضية يدافع عنها.. وهو قادر على التضحية من أجلها حتى بنفسه.. لأنه يريد الأمان لحبيبته ويريد أن يمنع دمعة قد تنسال من عينيها إذا تعرضت لأزمة.. ويريد لهذه الحبيبة أن تبتسم دائماً فى رضا وسعادة.. ومن هذه الأشياء الصغيرة البسيطة فى عالم الحب.. ترتقى المجتمعات.. ولنتصور مجتمعاً خالياً من الحب تقوم فيه العلاقة بين الرجل والمرأة على الإجبار والتسلط والعنف.. مثل هذا المجتمع لا بد أن يكون مجتمع وحوش لا مجتمع بشر لهم قلوب ومشاعر.. وحينما نسترجع التاريخ.. فلابد أن يقفز إلى الذاكرة «جلال الدين الرومى» الشاعر الصوفى العظيم، الذى عاش فى عصر اتسم بالتعصب الأعمى والتشدد المذهبى الصلب.. فقد كتب قصيدة مطلعها: توجه للحب يا حبيبى فلولا حياة الحب الجميلة لكانت الحياة عبثاً ثقيلاً..
كما أنه هو القائل إن البحث عن الحب يغيرنا شكلاً وموضوعاً..
تلك هى رسالة «الرومى» إلينا.. يمكنك اختيار أحد النقيضين ولا شىء آخر بينهما.. إما الحب الصافى أو الكراهية الدائمة.. وفى طريق الحب تنبذ الكراهية.. وما لم نعرف كيف نحب مخلوقات الله فإننا لا نستطيع أن نحب الله حباً صادقاً أو نعرفه معرفة حقيقية..
وقد عرف «هو» و«هى» وهما فى عمر الزهور أثناء دراستهما الجامعية فى كلية الحقوق جامعة طنطا، وذلك بعد أن انزاحت الغمة.. وسقطت دولة «الكراهية» التى قادها التكفيريون.. قال لها وقتها: لن يبدو الفرح بعد الآن مستحيلاً كالغول والعنقاء والخل الوفى.. لقد انتزعناه فى الميدان من براثن حزن طالت قامته داخل النفس المكسورة والأيام الممرورة فى ظل عناكب الجهامة وخفافيش الكآبة.. يمكننا الآن أن نمد أكفنا للسعادة فلا تتسرب من بين أصابعنا التى كانت ترتعش بالخوف واليأس.. لن تعود السعادة أمراً عارضاً أو ظرفاً استثنائياً أو حكماً افتراضياً.. سوف تعلن أشجار الياسمين عودتها إلى الحياة من جديد.. ولن يتم اغتيال البلابل على أغصان الحرية.. ولن تختنق الشمس فى مشانق الإرهاب..
أكملت هى: ولن تأفل أضواء الحب وشموع الحرية ووهج الحضارة.. كنا نتوجس من اقترابنا من مشارف الدخول فى التوحش والتخلف والقبح والبشاعة.. وعصور البربرية والقمع وثقافة الهكسوس وقانون الغاب حيث السماء من حجر وعيون المقبلين من خارج الزمن من زجاج.. ألسنتهم تنطق بالورع والتقوى والإيمان.. وقلوبهم تضمر الشر والطغيان..
أكمل فى حماس ووجهه ينطق بالبشر والأمل:
- لن يتنازع الوطن فاشية الدجل أو الدمامة، ولن يحكمنا بعد الآن فقهاء فرض الوصاية ودعاة الظلام وكهان الردة الحضارية بأوراق التكفير الصفراء، وكتب التحريم والإقصاء والمصادرة، وثقافة الحلال والحرام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والتمكين وارتداء قشرة العصر.. بينما الروح جاهلية والنفس همجية والأردية صحراوية.
قالت فى رقة وعذوبة وهى تحتويه بنظراتها الحالمة:
- سوف تفتح الجميلات النوافذ والستائر.. وتفك مصر العجوز ضفائرها لتعود حورية شابة سافرة تعانق نسائم الحرية.. وموج البحر.. ونغم الحب..
واتفقا على إنشاء دولة الحب وأعادا معاً قراءة رسائل الحب المتبادلة بين «مى» و«جبران»، وكتاب «مائة رسالة من الحب» لنزار قبانى، وردد معه لمحبوبته: إننى أضع جميع ممتلكاتى أمامك.. ولا أفكر فى حسابات الربح والخسارة.. ربما لم يكن عندى أرصدة فى البنوك.. ولا آبار بترول أتغرغر بها وتستحم فيها عشيقاتى.. ربما لم تكن عندى ثروة «أغاخان» ولا جزيرة فى عرض البحر مثل «أوناسيس».. فأنا لست سوى شاعر كل ثروتى موجودة فى دفاترى.. وفى عينيك الجميلتين..
وقررا إعلان الخطوبة.. فأعد لها مفاجأة بإعلان تلك الخطبة بطريقة مبتكرة تتناسب وحبهما الرومانسى فى فناء الجامعة بين الزملاء والأصدقاء باحتفال بسيط يتناسب وإمكانياتهما البسيطة.
وفى غمرة فرحهما بتتويج قصة حبهما احتضنها.. فوشى به «البصاصون» من كتيبة «المطوعين الجدد» و«النهى عن المنكر»، مؤكدين للإدارة الجبارة المهيبة التى تسعى إلى تكريس قيم الأخلاق الحميدة.. وشيوع الفضيلة فى ربوع «يوتوبيا» الأرض الطيبة، أن واقعة الفحشاء ارتكبت نهاراً جهاراً على رؤوس الأشهاد وبسبق الإصرار والترصد.. فدنس مرتكباها الحرم الجامعى وأساءا إلى قدسيته وخدشا حياء السجايا العطرة.. فقرر العميد تحويل الطالب والطالبة إلى التحقيق تمهيداً لفصلهما، ذلك بدلاً من أن يشاركهما فرحتهما ويدعوهما إلى الاحتفال بهما فى مكتبه بقطعتى جاتوه وفنجانين من الشاى.
وانصرفا بعد التحقيق وقد مادت بهما الأرض.. مكسورى النفس مجروحى القلب والكرامة.. وتمتم لها مردداً بصوت مخنوق وعبرات حبيسة فى المآقى بكلمات «نزار»: عندما قلت لك أحبك كنت أعرف أنهم سيتعقبوننى بالرماح المسمومة.. وأن صورى ستلصق على كل الحيطان.. وأن بصماتى ستوزع على كل المخافر.. وأن جائزة كبرى ستعطى لمن يحمل لهم رأسى لتعلق على أبواب المدينة..
عندما قررت أن أعلن قيام دولة الحب تكونين أنت مليكتها.. كنت أعرف أن العصافير وحدها ستعلن الثورة معى.