ما زلت أذكر حتى الآن تلك المشاعر الساحرة التى غمرتنى وأنا صغيرة فى مدرستى الابتدائية عندما تسللت لسمعى لأول مرة ألحان ناعمة جميلة من غرفة الموسيقى التى اعتبرتها منذ ذلك اليوم وحتى الآن صندوق الأحلام والأمانى. وكلما تملكنى الإحساس بالطرب والنشوة من صوت بديع وموسيقى حالمة أو أخرى محفزة للمشاعر والحماس أعود لتلك الأيام وأعيش معها كما لو كنت هناك فى غرفة الموسيقى الصغيرة والمشاعر الخضراء تملأنى قبل أن تلونها الحياة والأحزان والثقافات والأحداث السياسية والأحلام العالية بعيدة المنال. غمرتنى هذه المشاعر وفاضت وأنا أشاهد افتتاح مؤتمر الشباب منذ أيام فى شرم الشيخ، فقد تأكد لى فى تلك اللحظة أن مقولة «أفلاطون» (الموسيقى قد تكون يوماً اللغة العالمية للجنس البشرى) صحيحة بالفعل، فقد رأيت شباب العالم كله يغنى ويرقص ويطرب ويسعد وقد توحدت لغته بالفعل. ولذلك أحبائى وأصدقائى وجدت أنه لزاماً علىّ أن أعطى لكل ذى حق حقه قبل أن أقص عليكم تاريخ الموسيقى، خاصة أن صاحبة الحق جزء منى وتحمل بعض جيناتى الوراثية، فهى ابنة أقرب الناس لى والتى أحمل نفس لقبها العائلى. فقد حملت الجميلة المبدعة والفنانة التى منحها الله قدرات جميلة رشا أبوالريش، أقول، حملت حقيبتها وأوراقها واصطحبت موهبتها وعشقها للفن والموسيقى والسينما والإخراج ومن قبل كل هذا عشقها لأرض مصر وقامت بجولة حول العالم ذكّرتنى بكتاب أنيس منصور «حول العالم فى ٣٠ يوم» والذى سجل على صفحاته عادات وتقاليد مختلف الشعوب، لكنها سافرت لتستحضر لمصر مشاعر الفرح والإحساس بالجمال عند الشعوب، ولتؤكد أن البداية فى كل عمل جميل لا بد أن تبدأ بالموسيقى والكلمات، وهكذا كانت أغنية المؤتمر أو فلنقل أيقونة السعادة لشباب مصر بتوقيع فريق عمل رشا.
ولنتحدث عن الموسيقى نقول إنها اسم وجمعها موسيقات وتعنى فن تأليف الألحان وتوزيعها وإيقاعها والغناء والتطريب. وهى علم يُبحث فيه عن أصول النغم من حيث تأتلف أو تتنافر وأحوال الأزمنة المختلفة بينها ليعلم كيف يؤلف اللحن. وكلمة موسيقى بتشديد وفتح القاف هى اسم منسوب إلى الموسيقى، فهناك آلة أو قطعة موسيقية أو فاصل أو من يحترف الموسيقى أو الفرقة الموسيقية أو الجوقة، وهى فريق من الناس يؤدون عملاً فنياً غنائياً مشتركاً. والموسيقى أنواع وأشكال، فهناك موسيقى الجاز وهى من أصل زنجى أمريكى تجمع بين النغم المستمر والموقّع المتقطع، كما أن هناك الموسيقى الكلاسيكية والشعبية وموسيقى الآلة، ويوجد العديد من أنواع الفرق الموسيقية أيضاً، فهناك فرقة التخت الشرقى وفرقة الأوركسترا وفرقة الآلات النحاسية وفرقة موسيقى الحجرة. وإذا كان اليونانيون القدماء هم من وضعوا السلم الموسيقى الذى ما زالت الموسيقى الغربية تعتمد عليه حتى الآن، وهو عبارة عن تتابع النفخات صعوداً وهبوطاً ويتكون من سبع نغمات (دو، رى، مى، فا، صول، لا، سى) كُتبت بها الألحان الغربية منذ القرن السابع عشر، وحتى الآن فإن العرب لديهم السلم الموسيقى العربى الذى كان يعمل به إسحاق الموصلى والفارابى إلا أنه اندثر ولم يبق منه سوى مقامات متناثرة هنا وهناك. وكانت الموسيقى العربية قد مرت بحقبة زمنية وصلت فيها إلى الذروة كما فى العصر العباسى الذى شهد العديد من العلماء الذين عملوا على تنظير الموسيقى العربية بشكل منقطع التنظير، ورغم كل الغزوات الثقافية والعسكرية التى طالت بلادنا العربية من الخليج إلى المحيط والتى ضيعت على العرب معظم علومهم وما وصلوا إليه من تقدم فإن الغناء العربى الأصيل بقى محافظاً على هويته العربية ولم يندثر وبقيت الموسيقى العربية محافظة على نكهتها الشرقية الأصيلة.
ولكلمة موسيقى أصل يعود للإغريقيين، حيث كانت هذه الكلمة تطلق على كامل الفنون والمعارف، إلا أنها اتخذت هذا المعنى المتخصص بعد ذلك بفترة، وهى لغة العالم كما يقال، وهى لغة فريدة، حيث إنها لا تحكى ولكن تحس وتجعل القلوب تتواصل، وفى لحظات صمتها تحمل أروع المعانى، ومن هنا كانت قدرة الموسيقى العجيبة على تعديل المزاج، إلا أنها فى بعض الأحيان قد تعكر صفو المستمع، ولكل من يتعجب من تلك الجملة عليه أن يلاحظ الموسيقى السينمائية التى تسمى أيضاً بالموسيقى التصويرية والتى تتقلب دوماً فى العمل الواحد مع تقلب الشخصيات وتغيير انفعالاتهم، فهى أدق وصف من الأوصاف لحالة الإنسان العاطفية وما تمر به من تغيرات وتقلبات على مدار اليوم. ولروعة الموسيقى وآثارها فإنه يمكن القول إن مؤلفها إنسان لديه قدرات ومواصفات خاصة، ويكفى أنه يستطيع أن يُخرج مشاعره ويحولها إلى شكل مسموع، وليس الأمر كذلك فقط، بل وينقلها إلى القلوب الأخرى، ومن هنا برزت عظمة الموسيقيين المبدعين سواء عرب أو أجانب مثل بيتهوفن وموزارت ومحمد عبدالوهاب ونصير شما ومارسيل خليفة وشوبان وڤيڤالدى وغيرهم من الأسماء اللامعة.
وقد استُخدمت الموسيقى فى العلاج لما لها من تأثير على الإنسان، خاصة فى مجال الطب النفسى، وذلك منذ عهد الفراعنة، حيث كانت تُمارَس من خلالها طقوس طرد الأرواح الشريرة، ووُجدت رسوم فرعونية على جدار المعابد تشير لذلك، كما أن الإغريق القدماء اعتبروا «أبولو» إلهاً للموسيقى والطب. وفى الولايات الأمريكية أنشئ عام ١٩٤٤ أول برنامج فى العالم للعلاج بالموسيقى من قبَل جامعة (ميتشجن)، أما مصر فقد افتتحت أول مركز للعلاج بالموسيقى عام ١٩٥٠.
وفى نهاية حديثى لكم أقول إن من أجمل ما قيل فى وصف الموسيقى ما جاء على لسان جلال الدين الرومى، فهى «أزيز أبواب الجنة»، واعتبرها «شكسبير» غذاء الروح، أما «نيتشه» فأكد أنه إذا أراد شخص الحكم على مستوى شعب ما فليستمع إلى موسيقاه، وأضيف أنا فأقول: إذا أردت أن تعرف شخصاً ما فاسأله أولاً إلى أى موسيقى يستمع وأى صوت يطربه.