مشكلة السعودية أنها «تهوّش» إيران ولا تريد حربها، وهو نفس النهج الذى تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل اللتان تتفق معهما المملكة فى المواقف. حرب السعودية ضد إيران محلها دائماً ملاعب خارجية (أى خارج الدولتين)، حدث ذلك فى اليمن.. فماذا فعلت المملكة؟ مجلس الأمن يقول إن هذا القطر معرض لأكبر مجاعة يمكن أن يشهدها التاريخ، بسبب حصار التحالف العربى الذى تقوده المملكة. وحدث الأمر نفسه فى سوريا.. فماذا كانت النتيجة؟. لم يزل بشار الأسد يحكم سوريا حتى الآن مدعوماً بحزب الله والحرس الثورى الإيرانى، لم يزل «بشار» يحكم سوريا التى تحولت إلى ما يشبه الخرابة، تماماً مثل اليمن. وفى العراق تجد تكراراً لنفس السيناريو. والآن تريد المملكة أن تنقل المواجهة إلى لبنان!.
الأداء الذى تسلكه المملكة يؤدى -بالحتمية- إلى نكسة. مشهد شبيه -مع الفارق- عشناه فى مصر، عندما قرر الرئيس عبدالناصر عام 1967 إغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية، ليفاجأ المصريون وقتها بأن السفن الإسرائيلية كانت تعبر من قناة السويس!. لجأ «عبدالناصر» لإغلاق المضيق رداً على ما قيل وقتها «حشود إسرائيلية» على حدود سوريا. ذهب مسئولون مصريون إلى سوريا وتأكدوا من عدم وجود حشود ولا يحزنون، ومع ذلك أصر «عبدالناصر» على موقفه، وبدأ يدق طبول الحرب، وشرعت الصحف والإذاعة والتليفزيون فى بث الأناشيد الحماسية والتحدث عن المشوار الذى نوته مصر بالذهاب إلى تحرير فلسطين. كل هذا كان يحدث على سبيل التهويش. والدليل على ذلك أمران، أولهما أن «عبدالناصر» طلب عدم المبادرة بالضربة الأولى والانتظار حتى تضرب إسرائيل ونرد عليها، وثانيهما أن «عبدالناصر» كان يعلم النتائج العسكرية المرعبة التى ترتبت على دخول القوات المصرية فى مستنقع اليمن (بلغ تعداد القوات التى تم إرسالها 70 ألف مقاتل)، خسرنا فى اليمن أسلحة ومعدات عسكرية، والأخطر ما خسرناه على مستوى الأفراد، إذ سقط فى الحرب ما يقرب من 30 ألف قتيل. لم يكن «عبدالناصر» فى ظل وعيه بهذه المعطيات جاداً فى القيام بخطوة الحرب، كان يهدف إلى «التهويش» فقط. فماذا كانت النتيجة؟ تحركت إسرائيل يوم 5 يونيو فى هجوم غادر على المطارات المصرية، ودمرت ما عليها من طائرات، وبعد هذه الخطوة بساعات صدرت أوامر للجنود الذين لم يحاربوا أو يشتبكوا مع عدو بالانسحاب من سيناء، انسحاب دون غطاء جوى، ودون خطة، إنه انسحاب وفقط. النتيجة فى المجمل كانت «نكسة».
هذا المشهد لا يختلف كثيراً عن المشهد الذى تعيشه المملكة حالياً. فالسعودية استنزفت فى حرب اليمن وحرب سوريا، ودفعت مليارات الدولارات فى صفقات أسلحة فى محاولة لاكتساب رضاء «ترامب»، وفى الوقت الذى ترتب فيه لسحق لبنان وخلق ساحة مواجهة جديدة مع إيران، سمعنا نتنياهو -من قبل- يقول: «أتمنى اليوم الذى تقلع فيه الطائرة من تل أبيب إلى الرياض». هكذا بلا مواربة. أداء صناع القرار فى المملكة لا يدل على جدية فى أية مواجهة مباشرة مع إيران. والحال هكذا لا يستطيع أحد أن يفلت من استدعاء «حدوتة النكسة والنكسجية» من الذاكرة، وإذا كانت مصر قد تمكنت من لم جراحاتها بعد نكسة 1967 لتقف على قدميها من جديد، فإن الوضع فى المملكة سيكون مختلفاً كل الاختلاف.