فى علم اللغة: الإيمان هو الاعتراف والتصديق بالشىء.. أى شىء، وعكس الكلمة يكون الكفر، أى رفض الشىء ونبذه وإنكاره، ومجازاً أصبحت الكلمتان تستخدمان عند التحدث عن الدين والديانات، ولهذا فسرها كل أصحاب معتقد دينى بطريقة مختلفة عن الآخر بل ضد الآخر تماماً.
لكن مَن المؤمن؟! ومَن الكافر؟!. أظن أن المعنى الأدق دائماً هو أصلها اللغوى، فإذا ما التزمنا به ما التبس علينا الأمر يوماً، ولكن إذا حوصرت الكلمة فى دين معين أو اعتقاد معين لكان كل من اعتنق أو صدق بغير ذاك الدين كافراً.. بمعنى: إن كنت مسلماً، فإن المسيحى واليهودى والبوذى وغيرهم كافرون، لأنهم لم يصدقوا بما أتى به دينك أنت!! فقرآنك ونبيك غير معترف بهما فى معتقداتهم، كذلك إن كنت مسيحياً فالمسلم واليهودى والهندوسى كفار بالنسبة لك، فهم ينكرون صليبك وقناعتك بأن المسيح ابن الله.. أليس هكذا تعرف الأمور؟ لكن الحقيقة شأن مختلف تماماً.
لو تجردنا من كل الأفكار الطائفية والعصبية، وأخذنا كلمة الإيمان بتفسيرها الأعم والأشمل، وكانت الفكرة المتحكمة الحاكمة هى الإيمان بوجود الذات الإلهية العليا والإيمان بصفات الله المطلقة، وبتعاليمه التى تدعو للخير وترفض الشر بجميع صنوفه، لاختلف الأمر كثيراً، حينها لن يكون هناك خلاف من الأساس، فماذا يعنينى إن كنت مسلماً أو هندوسياً.. بماذا سوف يفيدنى الأمر أو يضرنى؟ (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)، فلو عدنا لمختلف الديانات السماوية وغير السماوية لوجدنا جميع التعاليم واحدة، الوصايا العشر تشبه أركان الإسلام، والإيمان، وكلاهما يشبه تعاليم الإنجيل، حتى وصايا بوذا تتشابه حد التطابق مع ما تدعو إليه الأديان، إذاً فالإيمان واحد، فقط تختلف التفاصيل.
إذا كان الأساس، ولُب الموضوع واحداً، وهو حب الله واتباع تعاليمه وطاعته، فلماذا الانخراط فى التفاصيل والمقارنات والمشاحنات، لماذا العصبية والعزة بالإثم.. اتبع أى دين شئت ومارس طقوسك، كما تحب لكن لا تنكر على غيرك إيمانه (لا ضرر ولا ضرار)، الإيمان ليس حكراً عليك، الله رب الكل وإله الكل، خالق الكون ومسيّر الأمور، آمن كيف شئت بمعتقدك وعزز قيمة كتابك وتعاليمك، ولكن لا تزعجنا عندما نمارس عبادتنا كما نحب ونقنع! لا تفقأ أعيننا بإيمانك، إيمانك لك ولنا السلام والأمان. ترى أنك أنت الصواب، ودونك مخطئ ضال!! بالله عليك كيف عرفت!
لا تفسر تعاليم دين غيرك على هواك وعلى مزاجك الشخصى، ولا تسمح لأحد كائناً من كان بإقناعك أنك أنت الصواب المطلق، لا تأخذ من الأمور قشورها، لا تهاجم غيرك ومعتقده ولا تحاربه.. ليست مهمتك أبداً الفصل بين البشر، فهو عمل الله، هو وحده مَن يحدد من المؤمن ومن غير ذلك (هلّا شققت عن قلبه؟!) إن الخلاف المتعصب وضع شيطانى يحميه دعاة البغضاء والفرقة والشر، فمن المضحك المبكى أنك فى سبيل إرضاء الله تقترف كل نواهيه -تعالى- وتحذيراته!
كفى بغضاً ولنتمسك جميعاً بروح الإيمان، لنحب الله وخلق الله بأى شكل وبأى لون وبأى معتقد.. وليتمسك كل منا بما لديه ويؤمن به، وليكن إيماناً عميقاً وليس قشرياً فارغاً.. (إنما المؤمنون إخوة).