لا أستطيع أن أقرر هل هى سمة خاصة بالمسلمين أم تمتد إلى غيرهم من البشر. عن مسألة «احتكار السماء» أتحدث. بعد اغتيال على عبدالله صالح، الرئيس اليمنى السابق، خرج عبدالملك الحوثى مهنئاً أتباعه بالانتصار على عدوهم فى أيام طيبة مباركة، حيث تزامن قتل «صالح» مع موسم الاحتفال بمولد النبى، صلى الله عليه وسلم. كأنه أراد القول إن الله يعمل لصالحه. ولو أنك تابعت الفيديوهات التى يبثها الإرهابيون فستجد التيمة نفسها تتكرر فى خطابهم، إذ يرون فى أنفسهم وكلاء السماء على الأرض، وأنهم يسفكون الدم باسم الله، ولحساب السماء. وكلما سفكوا دماً أكثر خرجوا على الناس مكبّرين مهللين، قائلين «إن الله معنا». بعض الحكام العرب والمسلمين لا يتردّدون فى تكرار المقولة نفسها، فيؤكدون أن الله تعالى سيقف إلى جوارهم، لأنهم على الحق، ويحاربون إرهاباً يريد أذى البلاد والعباد.
هل مسألة احتكار السماء تتصل فقط بالفاعلين السياسيين أو المتصارعين داخل حلبة السياسة؟ ليس بمقدور أحد أن يجزم بذلك، فبعض المسلمين البسطاء لا يتوانون هم الآخرون عن الزعم بأن الله تعالى معهم دون غيرهم من المسلمين، وكذلك غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، رغم قناعتهم بأن الله تعالى خالق البشر أجمعين. أحياناً ما يغفل البسطاء الذى يظنون أن السماء لهم وحدهم وأن الله معهم من دون البشر عن سورة قصيرة من سور القرآن الكريم يحفظها أغلبهم، هى سورة «الناس» التى تنص على أن الله تعالى رب الناس، وإله الناس جميعاً، وليس لإنسان دون إنسان، ينسون سورة فى القرآن الكريم عنوانها «الإنسان».
مشكلة هذا النمط من التفكير أنه يسوق الإنسان إلى سفك دم غيره بدم بارد. تجده يبذل ماله ووقته وجهده وأحياناً عمره فى سبيل التدمير، ويظن غافلاً أن واهب الحياة هو الذى يأمره بذلك، وأنه يعينه ويساعده على أفعاله. التفكير البسيط يقود أى إنسان إلى التناقض الواضح فى مسألة أن يدعو الخالق الأعظم الذى وهب البشر الحياة إلى تدمير الحرث والنسل، تحت أى مبرر. الله تعالى يأمر بصون الحياة وحمايتها، وشيطان الإنسان هو الذى يقوده إلى تبرير سفك الدماء، ويزين له أن السماء تبارك خطواته. ثمة واجب على الإنسان يفرض عليه حماية الحياة.
الله تعالى مع مَن؟ لا أحد يدرى، فهو سبحانه الأعلم بعباده، وهو الملك الديان الذى سيمثل جميع البشر أمام محكمته العادلة يوم القيامة ليحاسب الجميع على أعمالهم. وبما أن هذا الأمر غير مدرَك فى الدنيا فخير للبشر ألا يدخلوا فى مراهنات غير مقنعة على السماء، فيزعم كل مراهن أن السماء له، وأن الحق معه، وأن الله تعالى ناصره دون غيره لأنه على الصراط المستقيم والطريق القويم. السماء لا تبارك سوى من يحمى الحياة، ويحقق مشيئة الخالق فى إعمار الأرض. فليفعل من يريد أن يفعل على الأرض ما شاء، بشرط ألا يزعم أن السماء له دون غيره، وأنه يحقق -دون غيره- إرادة الخالق.