كنت قد قررت عدم الكتابة عن صفقة القطارات التى تعتزم وزارة النقل التعاقد عليها، سواء من خلال التصنيع أو التجميع أو الشراء جاهزاً، ولكن هناك ثلاثة أسباب دفعتنى لاستكمال الكتابة عنها مرة أخرى: السبب الأول تصريحات الرئيس السيسى بعد استقباله لرئيس شركة «شنايدر إلكتريك» العالمية، حيث أكد اهتمامه بتوطين الصناعات ونقل التكنولوجيا إلى مصر وتقديم كافة التسهيلات لتحقيق هذا الهدف، إذن رئيس الجمهورية شخصياً مهتم بنقل التكنولوجيا، وهذا لن يحدث إلا من خلال التصنيع المحلى لأن الشراء الجاهز طوال السنوات الماضية أدى إلى تدمير الصناعة الوطنية فى كل المجالات وأصبحنا مُستوردين حتى لغذائنا، السبب الثانى هو رد الفعل الإيجابى حول المقال السابق (أمانة العرض على الرئيس فى صفقة القطارات)حيث تلقيت اتصالات ورسائل كثيرة أهمها من الدكتور هشام عرفات وزير النقل، يؤكد فيها حرصه على التصنيع المحلى وتحقيق أفضل الشروط التى تناسب مصر، وهذا موقف محترم ويحسب للوزير وأتمنى أن يكون قادراً على تحقيقه، لأن هناك ضغوطاً لتمرير عرض الشراء الجاهز وتفضيله على التصنيع المحلى أو تجميع العربات فى الخارج أو حتى الداخل تحت شعار «صنع فى مصر»، وهذا عكس ما يريده الرئيس والوزير، فالفرق كبير جداً بين التجميع والتصنيع، هذه الضغوط يا سيادة الوزير وصلت إلى درجة عدم الشفافية فى الطرح وكذلك تهديد أصحاب عروض التصنيع لسحبها والتشكيك فيها حتى لا يتبقى سوى عرض الشراء فقط (بالقروض والديون)، وقد يتحد بعض المتنافسين للفوز بالسبوبة، وزير النقل أكد أيضاً أنه يسعى إلى الجر الكهربائى ونحن نؤيده فى ذلك تماماً، فالإنفاق على الديزل إهدار للمال العام لأنه انتهى من العالم، كما أن التطوير واحتياطات الأمن والسلامة تعتمد على الكهرباء التى أصبح لدينا منها فائض كبير عكس البترول،
السبب الأخير للكتابة مرة أخرى فى هذا الموضوع هو الحادث الإرهابى الأكبر فى تاريخ مصر (مجزرة الروضة)، وقد يتساءل البعض ما هى علاقة الحادث الإرهابى بصفقة القطارات؟ الإجابة أنه يستوى عندى مافيا الاستيراد الذين يدمرون الصناعة الوطنية مع الإرهابى الذى يطلق الرصاص على رجال الجيش والشرطة والمواطنين، كلاهما يعمل ضد استقرار وأمن البلد بل إن المدمرين للاقتصاد أخطر، لأنهم يتسببون فى إغلاق مصانعنا وتشريد العمال وزيادة الفقر والبطالة بين الشباب، وبالتالى يسهل تجنيدهم من الجماعات الإرهابية، كل الدول والشركات الأجنبية تسعى لمصالحها وأيضاً الوكلاء المصريون وهذا ليس عيباً ولا حراماً ولكن مصر ليست سبوبة ومصلحتها يجب أن تكون فوق الجميع، لذلك أقترح لو كانت هناك ضرورة ملحة لهذه الصفقة أن تشكل لجنة من وزارات النقل والإنتاج الحربى والاستثمار والرقابة الإدارية وتكون هناك شفافية وعلانية فى مناقشة أصحاب العروض والتعاقد معهم، والأولوية للتصنيع المحلى لتحقيق حلم الرئيس فى نقل التكنولوجيا حتى لو كانت أكثر تكلفة، فإنها على المدى البعيد سوف تكون أرخص لمصر، إن دماء الشهداء التى تتساقط يومياً تفرض علينا أن نكون أمناء مع الله والبلد والرئيس وإنفاق الأموال فى محلها، نحن ثانى دولة فى العالم أنشئت فيها سكة حديد وكان المفروض أن نمتلك أفضل قطارات فى العالم ومركزاً للتصنيع والصيانة والأبحاث، ولكن بسبب التخريب المتعمد أصبحت سكك حديد مصر حالها لا يسر عدواً ولا حبيباً، أيضاً كانت لدينا قلاع صناعة متميزة فى كل المجالات وللأسف تعرضت للتدمير المتعمد لصالح الاستيراد، وهذه تركة ثقيلة ورثها الرئيس السيسى ومن معه، وقدرهم إيجاد الحلول لها بوقف الاستيراد والاعتماد على التصنيع المحلى، ولتحيا مصر بالعمل والإخلاص.